الثلاثاء، 24 يناير 2012

أم الشهيد

فاتت سنة

يااااه!!!!
بالسرعة دي فاتت سنة؟!!!!!

يا حبيبي يا ابني
يا ابن بطني
يا اللي اخترت الشهادة
لما داست فوق جبينك البيادة

يوميها جيت لي في المنام
وحلفت لي
والنعمة يا أمه
لما شفت الموت حاوطني
كان حاضني
وكان رحيم

أرحم كتير من البهدلة
ومن الشقا
ومن جوعنا في ميعاد العشا
والاهانة والتريقة!

وبكره يا امه هتلاقيني
في الميدان وسط اخواني
راجع من جديد أهتف بعلو الصوت
راجع من جديد
وتاني مستعد أموت
بلغي كل الشرفا
وكل احبابي
بكره ميعاد اللقا

وأهو فاتت سنة

جاي السنة دي يا ضنايا
والا انتظر كمان سنة؟!!!!!!!!!!!!

الأحد، 22 يناير 2012

محنة الثورة المصرية بعد مرور عام على إنطلاقتها

 بقلم: شحاته عوض
المصدر: جريدة القدس العربي (22/1/2012)

'أنصاف الثورات مقابر للشعوب' هذه العبارة هي إحدى الشعارات التي يرفعها الثوار والنشطاء في ميدان التحرير في قلب القاهرة الآن بينما المصريون يستعدون لإحياء مرور عام على إندلاع ثورتهم. هذه العبارة تعكس بعمق مشاعر قطاعات واسعة من القوى الثورية والسياسية في مصر، وهي مشاعر يختلط فيها الإحباط مما تعرضت له مسيرة الثورة من حملات تشويه وإستنزاف وضربات، مع الإصرار على إستكمال الثورة لاهدافها ومسارها مهما بلغت كلفة التضحيات ومهما كانت فداحة الثمن. رافعو هذا الشعار الذين يشكلون النواة الصلبة للثورة يدركون جيدا أن هناك أطرافا عديدة لا تريد للثورة أن تكتمل وأن تبقى نصف ثورة أو حتى مجرد إنتفاضة شعبية إنتهت باختفاء مبارك من المشهد السياسي مع بقاء نظامه دونما تغييرجوهري. وليس صحيحا أن المجلس العسكري وحده أو بقايا النظام الساقط وحدهم من يريدون ذلك، بل إن هناك قوى سياسية محسوبة على الثورة تسعى لقطع الطريق عليها وترى أنها حققت ما قامت من أجله.
لا شك أن إحدى أهم محن الثورة المصرية وهي تمر بتلك اللحظة التاريخية، تتجلي بوضوح في هذا التباين اللافت في طريقة تعاطي القوى التي تشكل المشهد السياسي، مع الذكرى لإنطلاقتها، فهناك من يدعو للإحتفال والفرح لأن الثورة نجحت واكتملت وحققت كل أهدافها وأن كل من يقول بغير ذلك يريد إسقاط الدولة المصرية وإدخال البلاد في حالة من الفوضى، وهذا ما يمثله موقف المجلس العسكري ومؤيديه ،وهناك القوى الثورية وشباب الثورة الذين لا يرون في المناسبة ما يدعو للإحتفال أو الاحتفاء بقدر ما يدعو للإصرار والتمسك باستكمال أهداف الثورة وتصحيح مسارها الذي إنحرف عن كل ما قامت من أجله. وثمة طرف ثالث يقف ما بين الطرفين يرى أن المناسبة تستدعى الأحتفال والتعاون مع البرلمان المنتخب لتحقيق مطالب الثورة وهذا رأي تعبر عنه القوى الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمون.
ربما لا يبدو في الأمر ما يدعو للدهشة بقدر ما يدعو للآسى والحزن، لأن كل طرف من أطراف المشهد الثلاثة ينطلق في تعاطيه مع ذكرى إنطلاق الثورة، من منظوره وحساباته ومصالحه السياسية بغض النظر عن مصالح الوطن والثورة في النهاية. وفي هذا الصدد يبدو الفارق شاسعا في مواقف الاطراف الثلاثة..فالثورة بالنسبة للمجلس العسكري كانت مجرد إنتفاضة شعبية إستغلتها المؤسسة العسكرية لتحقيق أكثر من هدف في وقت واحد، منها قطع الطريق على سيناريو توريث الحكم من مبارك لنجله ،وتصفية حساب مع بعض رموز النظام السابق الذين كانوا على خلاف مرير وصامت مع المؤسسة العسكرية، لكن الهدف الأهم هو منع الثورة من إستكمال رحلتها ووضعها في منزلة وسطى ما بين الإنتفاضة الشعبية والثورة، لان إستكمال الثورة يعني تغيير النظام برمته وليس الإطاحة برأسه كما فعل المجلس العسكري. ووفقا لهذا التصور فإن الثورة إنتهت برحيل مبارك ومحاكمة عدد من رموز نظامه الفاسدين مع بعض إجراء بعض التعديلات والتغيرات الشكلية التي لا تمس جوهر ولا بينة النظام السياسي القائم. ولعل ذلك يفسر ويجلي الكثير من الغموض عن وقرارات ومواقف المجلس العسكري من الثورة منذ إندلاعها، فكل هذه المواقف تظهر بوضوح أن أعضاء المجلس الذي هو في حقيقة الأمر جزء أصيل من نظام مبارك، يدركون في عمق أعماقهم أنه لا فضل لهم في هذه الثورة ولم يشاركوا فيها ولم يصنعوها، بل ظلت المؤسسة العسكرية حتى آخر لحظة منحازة لمبارك وأتاحت له كل الفرص لانقاذ نظامه، لكنها حين أيقنت أن نظام مبارك في طريقة للسقوط آثرت الانحياز للثورة والتضحية بمبارك لإنقاذ النظام. ووفق هذا التصور فإن المجلس يسعى جاهدا لمنع الثورة من تجاوز هذه الحدود لأنه يدرك جيدا أن ذلك يعني تغييرا كاملا في قواعد اللعبة السياسية. ومن هنا لا يبدو مستغربا أن المجلس العسكري الذي أعلن عن سلسلة من المهرجانات والمسابقات للإحتفال بذكرى الثورة وإعتبارها عيدا وطنيا، هو نفسه الذي ينكل بالثوار ويلاحقهم قضائيا ويشوه صورتهم عبر الإعلام الرسمي أوعبر بعض مناصريه في الاعلام الخاص، وهو نفسه الذي يحرض 'المواطنين الشرفاء' للتصدي لهولاء المخربين الذين يضمرون السوء للوطن، والمقصود هنا بالطبع الثوار والنشطاء.
من جانبها فإن القوى السياسية الدينية التي حققت فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية ترى أن الثورة قد إنتهت بإجراء الانتخابات البرلمانية التي تعد رغم كل ما شابها من عيوب ومآخذ، الانتخابات الاكثر نزاهة وديمقراطية في تاريخ مصر الحديث، وبالتالي ووفق هذا الرأي، يحق للمصريين أن يحتفلوا بثورتهم وما حققته من إنجازات كان أهمها الانتخابات كاحد أهم ثمار الثورة. وفي هذا الإطار يمكن رصد العديد من الدعوات والتصريحات التي بدأت تخرج من أوساط جماعة الاخوان المسلمين بضرورة إفساح المجال أمام البرلمان المنتخب للعمل والإنطلاق لإستكمال أهداف الثورة، وهو ما يفهم منه ضمنا أنه رسالة للثوار والقوى الثورية بأن عليهم أن يعودوا إلى بيوتهم ويتيحوا الفرصة لنواب الشعب أن يبدأوا مهامهم. لكن ما يتعمد أنصار مثل هذه الدعوات تناسيه أن مصر تعيش ثورة لم تكتمل بعد، وأن الأنتخابات التي يستمدون شرعيتهم منها هي بالاساس ثمرة لهذه الثورة أي أنها ماكانت لتجري وما كان لهولاء أن يكونوا أعضاء في برلمان مصر أوحتى أن يترشحوا لخوض الإنتخابات لولا هذه الثورة ولولا دماء مئات الشهداء والاف المصابين الذين سقطوا وآلاف المعتقلين الذين يحاكمون عسكريا.
أعتقد أن على هؤلاء الذين تحولوا سريعا من موقع المعارضين المطاردين إلى مقاعد البرلمان والسلطة أن يتواضعوا قليلا والأ ينسوا في غمرة الإنتشاء بالنصر هذه، أنه لولا ثورة يناير ما كانوا في مقاعدهم تلك. لكن الأهم أن علي هذه القوى أن تدرك جيدا أن الحالة الثورية ستستمر حتى تتحق الاهداف، وأن شرعية البرلمان لن تكون أبدا بديلا عن شرعية الثورة والميدان، وأن الأجدى لمصر والأنفع لهذه القوى أن تسعى للتكامل بين الشرعيتن لا الصدام بينهما لأن الثمن سيكون فادحا والخسارة ستصيب الوطن ومستقبله. إن هذا التكامل والتناغم بين البرلمان والميدان في هذه اللحظة الثورية سيكون الضمانة الحقيقية لاستكمال أهداف الثورة وصولا لبناء النظام السياسي الجديد على أسس سليمة تليق بثورة يناير وتضحيات شبابها. فلا البرلمان يستطيع أن يؤدي مهامه التشريعية والرقابية والدستورية في مواجهة ضغوط والاعيب العسكر، دون أن يكون لها ظهير شعبي يتمثل في الثورة وميادينها، ولا الثورة يمكن أن تستكمل أهدافها دون أن تكون هذه الأهداف هي جدول أعمال البرلمان الجديد الذي ينبغي في هذه اللحظة أن يجسد أحلام وطموحات المصريين وثورتهم. وهذا يلقي على عاتق القوى السياسية الرئيسية في هذه البرلمان مسؤولية سياسية وأخلاقية في ألا تفكر يوما في الدخول في صفقات أو توافقات تكون على حساب الثورة وأهدافها. كما أنها ستكون بالقدر نفسه أمام أختبار حقيقي حين تجد نفسها مضطرة للاختيار بين الانحياز للثورة والثوار وبين التوافق والتفاهم مع المجلس العسكري وحتى اللحظة يبدو الأمل كبيرا في أنها ستكون في صف الثوار، وهو أمل يستند في مجمله على خطاب هذه القوى وعلى التجربة الطويلة لها مع القهر والاستبداد.
ونصل إلى الطرف الثالث الذي لا يرى في الخامس العشرين من يناير سوى فرصة لإستعادة روح الثورة والعمل على تصحيح مسارها وصولا لتحقيق أهدافها الأساسية في العيش والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية وهي أهداف لم يتحقق منها شيء. هذا الطرف تمثله القوى الثورية وشباب الثورة المتمسكون بإستكمال أهدافها. وفي ظني أن هذا الطرف هو الأقوى في المعادلة المصرية الآن، والأقوى هنا ليست بالمعيار المادي فالمجلس العسكري هو الأقوى بهذا المعيار، وليس القوة بالمعني السياسي فالإخوان والتيارات الدينية هي الاقوى بالنظر لما حصدته من أغلبية في البرلمان. قوة الثوار تبدو هائلة بالمعيار الأخلاقي ونبالة المقصد والهدف، وهذا هو ما يمنحهم التفوق في مواجهة خصومهم ومناوئيهم وحتى في مواجهة من ينازعونهم الشرعية والحديث بإسم الثورة. فهؤلاء الثوار قد يتسمون بالرومانسية الثورية أحيانا، وربما ينطلق بعضهم من خطاب عدمي يستند إلى معادلة صفرية لا مكان فيها للون الرمادي بما يتنافى ومقتضيات اللعبة السياسية، وقد يؤخذ عليهم عدم التوحد والتشرذم وتضخم الأنا عند بعضهم، وقد تغلب عليهم روح التشاؤم. لكن ذلك كله لا ينفي حقيقة أن هذه القوى هي التي دفعت الثمن الأفدح لإنجاح الثورة دما وأرواحا طاهرة وعيونا وأبصارا.
إن قوة الثوار تكمن في أنهم لا يدافعون عن مصالح أو مكاسب إقتصادية وأمتيازات يخشون ضياعها، ولا يطمحون لتحقيق مكاسب سياسية.إنهم فقط يدافعون عن مصر ومستقبلها، يدافعون عن الثورة وأهدافها، يدافعون عن حقوق شهداء مازالت دماؤهم تستصرخ القصاص من قاتليهم، يدافعون عن حقوق أكثر من نصف المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بينما القلة الفاسدة الحاكمة المتحكمة مازالت تسرح وتمرح في ثروات وخيرات هذا الوطن. هذا هو سر قوة الثوار التي لا يباريهم فيها طرف آخر، وهذه القوة هي التي تفتح كل طاقات وأبواب الأمل والتفاؤل بأن ثورة المصريين ستكمل أهدافها مهما كانت العقبات. لكن ذلك يبقى رهنا بقدرة الثوار على الحفاظ على علاقة وطيدة مع حاضنتهم الشعبية وبنجاحهم في إقناع بسطاء المصريين وفقرائهم بعدالة ونبالة ما يرفعونه من أهداف ومطالب، وهي مهمة تبدو بالغة الصعوبة في ظل حملة التشوية والكذب التي تمارس حاليا ضد كل ما له علاقة بالثورة والثوار.

' كاتب مصري

الثلاثاء، 17 يناير 2012

تابع : ملف عصر من الفساد (الحلقة الحادية عشر)

الجميلة والمشير.. فضيحة في قصر مبارك 11-11

المخابرات الأميركية تنصتت على هواتف مبارك أثناء حادثة «أكيلي لاورو» 
«لوسي غيت».. تلفيقة لإزاحة خصم ثقيل أم هفوة محارب؟ 


دفع المشير أبو غزالة ثمن مساعدة لوسي آرتين غاليا فالرجل الذي كان معروفا بالاستقامة الشديدة والتدين الشديد ارتبط اسمه بلوسي آرتين وبقضية ليست فوق مستوى الشبهات، لقد كشفت قضية لوسي ارتين كواليس الصراع على السلطة في مصر وسيناريو مبكر للتوريث جرى فيه تشويه رجل بحجم وقامة المشير أبو غزالة.

كانت قضية لوسي ارتين تسيطر على عقول اجهزة الامن في عهد مبارك بكل ماتملكه من أدوات قمع وقهر وتنصت على الشعب ونجحت تلك الاجهزة التى يقبع قادتها في السجون حاليا ويحاكمون جنائيا وشعبيا في تجنيد الفاتنة الارمينية التي دخلت مناطق محظورة واخترقت الحواجز التي تفرض عادة على الكبار.

وأمرت لوسي ارتين وتحول الرجال الكبار الى مراهقين على صدر السيدة الجميلة.. ارتموا تحت قدميها..دارت روؤسهم مع الخمر وتناسوا القسم واليمن والاخلاص والوفاء للوطن لقد كانت احدى أكاذيب ذلك العهد ظهور صوت المشير عبد الحليم ابوغزالة بينما كانت تناديه لوسي يا باشا.

وبعد أن دارات طاحونة الاعلام الموجه... اختفى المشير أبوغزالة، في حين كانت الالسنة تغتاله في اليوم الواحد آلاف المرات..ولذلك فضل الرجل بعدها العزلة بعيدا عن الاضواء.

وحتى الآن مازالت قضية لوسي ارتين تمثل لغزا ولاسيما ان المشير رفض تماما التعليق عليها فيما عدا مرة واحدة عندما بدأت حملة تشهير ضده في صحف ومجلات حكومية.. سأله احدهم فقال المشير :اسأل «الست الحاجة» في اشارة الى زوجته وبما يعني انها تثق به وانه لايمكن ان يتورط في هذه الجريمة ، وهو الرجل المتدين والمؤمن ، والملتزم بقيم واخلاق لا يتمتع بها غيره..

إننا ننتظر جميعا شهادة تلك السيدة الغامضة ، لوسي ارتين ، لتبرئة المشير أبو غزالة من الظلم الذي لحق بسمعته ولم يصدقه العالم العربي.. فهل تستجيب لوسى ارتين وتفتح خزانة أسرارها للتاريخ أو للمحققين لتشهد أنها كانت دسيسة ومؤامرة للايقاع بأهم العقول الاستراتيجية في العالم العربى وهل يحاول رموز عهد مبارك الذين تحدثنا عنهم تبرئة المشير أبوغزالة حتى يقدموا عملا وحيدا مفيدا لمصر ولو لآخر مرة في حياتهم ؟ ذلك ما تكشف عنه الايام المقبلة.

لوسي آرتين.. وزمن المؤامرات

استعرضنا في الحلقات السابقة أسرار علاقات رجال مبارك والحسناء الأرمنية لوسي آرتين وكيف استمرت علاقة رئيس ديوان الرئيس السابق والرجل القوى في السلطة بلوسي ارتين بعد خروج المشير أبوغزالة من دائرة الضوء ودخوله في عزلة إجبارية فرضها عليه حسني مبارك ورجاله وقد أسهمت ماكينة الدعاية التابعة لأجهزة مبارك في تشويهه وقد تبنيت موقفا صريحا في هذا الكتاب الموثق وهو براءة المشير أبو غزالة من هذه الفضيحة وبينت كيف تمت الإطاحة بهذا الرمز كما كنا نعلم بأياد خارجية ولماذا تمت الإطاحة بهذه الرمز بهذه الطريقة بسبب سيناريو أبناء الرئيس السابق.

وقد كشفنا في الحلقات السابقة كيف تمكنت الفاتنة الأرمينية التي دخلت مناطق محظورة واخترقت الحواجز التي تفرض عادة على الكبار وكيف وصلت إلى أرقام الهواتف الخاصة بقصور الرئاسة والمؤسسات السيادية ما يؤكد وجود جهات وأجهزة داخلية وخارجية اجتمعت على هدف واحد وهو «الإطاحة بالمشير أبوغزالة». حتى يتم إبعاده عن كرسى الرئاسة لأنه في ذلك الوقت كان رمزا للمصريين ووصل حب الناس له أعلى الدرجات وكان حقا يستحق كل هذا وهو البطل صاحب الحروب الضارية والانتصارات العربية والشخص الوحيد الذي كان بإمكانه إبعاد حسني مبارك عن منصبه..

كما كان هدف الغرب والقوى الكبرى إبعاد المشير أبوغزالة عن الحقل العسكري لان ذلك كان يمثل خطرا كبيرا على القوى العسكرية في ذلك الوقت ( أميركا - الاتحاد السوفييتي) لتخطيطه الفذ ولعبقريته الحربية التي فاقت كل الجنرالات في ذلك الوقت.

«غلطة» جمال مبارك !

وقد تبين من خلال بحثي في ملفات القضية أنه قبل سقوط نظام مبارك في 25 يناير الماضي كان الرئيس السابق حسني مبارك يجلس في قصره مطمئنا هادئ البال لا يعكر أحد صفو أيامه.. فكل الأسماء المطروحة لمنافسته لن تقدر على منافسته لكن راحة البال انقلبت الى حالة من القلق عندما تسربت أنباء عن ترشيح أبوغزالة نفسه لانتخابات الرئاسة ليس بسبب درجة القبول التي كان يحظى بها في الشارع المصري.

ولكن لأن الأجهزة داخل نظام مبارك سربت له معلومات أن أنصار المشير أبوغزالة حصلوا على تأييد 82 عضوا من أعضاء مجلس الشعب.. هذا في الوقت الذي يتطلب التقدم للترشيح موافقة 65 عضوا من المجلس. وهؤلاء الأعضاء كان من أسباب تأييدهم لأبوغزالة جمال مبارك نفسه بعدما أعلن الأخيرعن استبعاد الحزب الوطني لـ 120 عضوا من الترشيح في انتخابات مجلس الشعب.. فانقلب هؤلاء على حزبهم وبدأوا في ترتيب مصالحهم مع من يساندهم ، لا من يستبعدهم!.

هذا الخطأ الذي وقع فيه جمال مبارك يدل على عدم حنكته السياسية..فهو لم يتعلم الدرس من «ك.ش» أستاذ «فن تزوير الانتخابات» الذي كان يعد الجميع بأنه سيرشحهم على اسم الحزب الوطني وقبل ساعات من الموعد المحدد لإغلاق باب الترشيح كان يعلن قائمة المرشحين فيقعون في حيرة وفي الغالب كان المستبعدون ينزلون الانتخابات كمستقلين ثم بعد ذلك ينضمون للحزب بعد دخول البرلمان..استبعدهم جمال مبارك بعد أن قرر تقريب رجال الأعمال منه وإحاطة نفسه بهم باعتبارهم رجاله ومعاونيه. وقد أدت الانتخابات الأخيرة نفسها إلى التعجيل بسقوط نظام مبارك ودخول أركان نظامه وابنيه علاء وجمال مبارك السجن.

لوسي.. تذكرة ذهاب بلا عودة

وفي اعتقادي أن نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير تحتم العمل على إعادة الاعتبار للعديد ممن أهينوا وقهروا وظلموا على يد النظام السابق، وفي مقدمتهم المشير أبوغزالة، وظنى أنه يتوجب مكاشفتنا بحقائق ما وقع للراحل احتراما لما قدمه للبلاد طوال أعوام خدمته العسكرية، خصوصا في حرب السادس من أكتوبر التي يتعين التدقيق في تاريخها المستقر، والذي اختزل في الضربة الجوية بقيادة مبارك الذي تجاهل جميع قادة وجنود نصر أكتوبر المجيدة.

وغرض المكاشفة ليس رد الاعتبار لمن ظلم فحسب وإنما أن نترك للأجيال القادمة تاريخا صادقا غير ملون ومفصل على هوى القابع في السلطة وأن نقدم لأبنائنا وأحفادنا نماذج وطنية محترمة، تقديرا لعطائها وإخلاصها للوطن وحبذا لو كان أبوغزالة نقطة البداية على هذا المضمار، فالرجل لو كان حيا يرزق اليوم لطالبته أغلبية المصريين بالترشح للمنصب الرئاسي، لأنه ظل موضعا للثقة والاحترام إننا نود أن نعرف كواليس ما جرى خلف الأسوار العالية، حتى نعلم من المخطئ ومن المصيب، وبما لا يؤثر على الأمن القومي، وأتمنى ألا يطول انتظارنا لإعادة الاعتبار لقاماتنا القومية المخلصة. وفي سبيل كشف الحقائق وتبرئة المشير أبوغزالة دعا بعض المحامين والمثقفين السلطات المصرية لاستدعاء السيدة لوسي ارتين والتحقيق معها كشاهدة ، لتكشف للرأي العام المصري والعربي والدولي حقيقة المؤامرة وتفاصيلها الكاملة. ولكن الغريب والمثير للجدل ، أن لوسي ارتين هربت خارج البلاد. نعم..هربت لوسي ارتين من قاهرة الليالي الساحرة وأرض البيزنس والسياسة والفن إلى واشنطن حيث تحتمي بجنسيتها الأميركية.

هربت لوسي آرتين وتركت ابنتيها في القاهرة تتغلغلان في نفس أوساط البيزنس والفن.

أما ابنة لوسي ارتين فقد استغلت شهرة والدتها وعلاقاتها الاجتماعية ونفوذها لتصبح هي الأخرى نجمة مجتمع في المجال الفني في مصر.

فنانة «بالواسطة»

فرغم كون «م. أ» مخرجة شابة ليست لها أي تجارب إلا أن صداقة والدتها لوسي ارتين لقيادات وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار في مصر جعلتهم يكلفون ابنتها بإخراج فيلم مدته نصف ساعة عن العيد الخامس للأثريين الذي أقيم بدار الأوبرا المصرية.والغريب أن د. «ز.ح» شاهد نسخة من الفيلم التسجيلي في عرض خاص بمبني التلفزيون المصري بماسبيرو وحضرت فنانة معروفة العرض الخاص لأنها بمثابة الجدة للمخرجة فهي خالة لوسي آرتين.كما حضر مخرج شهير تعتبره «م» أستاذا لها وداعما كبيرا في بداية حياتها الفنية.

المثير للجدل أيضا أن الفيلم التسجيلي الذي قامت به مخرجة مبتدئة ظهر فيه نجم مصري عالمي ألقى كلمة عن الآثار والأثريين في مصر كما ظهر في الفيلم الفنان «م. ق» ووزير ثقافة أسبق.

ورغم أن الفنانة المصرية رفضت الحديث عن قضية لوسي آرتين وسر اختفائها من مصر بعد ثورة 25 يناير، إلا أن الحقيقة هى خوف لوسى آرتين من فتح الملفات القديمة واستدعائها كشاهدة أو كمتهمة في قضايا فساد النظام السابق، لكن ماذا لو أعيد فتح التحقيق في قضية لوسي ارتين.

وقائع خطيرة

هنا سأقوم برسم سيناريو تفصيلي عن التحقيق وما سيكشف عنه مفاجآت.. وقبل رسم خطوط السيناريو وتفاصيله ، أعتقد انه من الأهمية بمكان أن أشير إلى وقائع خطيرة ترتبط بظروف قضية لوسي ارتين.. لقد كشفنا في الحلقات السابقة كيف كانت مكالمات لوسي آرتين الشهيرة مع عددٍ من المسؤولين في مجالات السياسة والأمن والقضاء سبباً في فضيحة شهيرة أدت إلى الإطاحة بعدد كبير منهم وعزلهم من مناصبهم..

وقمت بنشر نص الحوار الهاتفي المزعوم بين المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع المصري وحسناء بيانكي الأرمنية لوسي آرتين والذي يقول فيه المشير إنه سيتصل بمحافظ السويس بحثاً عن وساطة مع القاضي الذي ينظر في قضية النفقة المرفوعة منها ضد زوجها.

ولعله لم يكن يدور في خلد أي من الشخصيات السياسية أو الاجتماعية أو الفنية التي شاركت في صنع تاريخ مصر- بصورةٍ أو بأخرى- في أن مكالماتهم الهاتفية التي يجرونها ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه..خاصةً أن هذه المكالمات غير العادية جاءت في الأغلب الأعم في ظروفٍ استثنائية وحملت مضموناً خطيراً.. أو إذا شئنا الدقة فانه مضمونٌ أصبح من الخطورة بمكان نتيجة الأوضاع السياسية أو الاجتماعية أو الفنية التي كانت تمر بها مصر في ذلك الوقت في بداية التسعينيات من القرن الماضى.

لم تكن تلك المكالمات الهاتفية عاديةً بالمرة.. وانما كانت تمثل نقاطاً فاصلة في أحداثٍ مهمة ورئيسة في تاريخ مصر..بعد أن دخلت في نسيج هذه الأحداث وأصبحت عنصراً لا غنى عنه في فهم ما جرى وما كان.. خصوصا أن الكثير من هذه المكالمات الهاتفية أدى إلى نتائج مؤثرة وغيرَّ في مسار الكثير من الأمور.. ألم نقل من البداية إنها كانت مكالمات لا تنسى.

وإذا كان الحديث لم ينقطع خلال السنوات الأخيرة عن فضائح ومكالمات المشاهير المثيرة والساخنة..فإننا نستطيع القول باطمئنان وثقةٍ شديدة إن لدينا في تاريخ مصر الحديث العديد من المكالمات الأكثر أهمية وسخونة وتأثيراً من مجرد الأحاديث العاطفية بين الأميرة ديانا سبنسر وطليقها ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وعشاقهما أو فضيحة «ووترغيت» للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون.. والنماذج التالية خير دليل على ما نقول تنصت أميركي.

ولعل الواقعة التي جرت على متن الطائرة التي أقلت الرئيس المصري حسني مبارك بعد فشل محاولة اغتياله في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا في يونيو من عام ألف وتسعمائة وخمسةٍ وتسعين..عندما أجرى مبارك اتصالين هاتفيين كما يقول عادل حمودة في كتاب «لعبة السلطة في مصر» ، الاتصال الأول مع رئيس الحكومة آنذاك والثاني مع ابنه الأكبر علاء مبارك..كان علاء قد طلب من والده أن يتصل به عند وصوله إلى أديس أبابا..واتصل مبارك به من الطائرة..وكان رد علاء قبل أن يخبره الرئيس المصري بما جرى:

- الحمد لله على سلامتك يا بابا..

ضحك الرئيس قائلاً: أنا راجع..

- راجع إزاي؟

- يا بني.. كانت هناك محاولة فاشلة للاعتداء عليّ.. لكن الحمد لله

- ألف سلامة يا بابا

- يا علاء..اتصل بوالدتك تلفونياً قبل أن تذيع شبكات التلفزيون الخبر فتنزعج..قل لها الحمد لله مفيش حاجة خالص..

وكانت سوزان ثابت قرينة الرئيس المصري السابق حسني مبارك تعالج آنذاك في احدى مصحات تشيكوسلوفاكيا سابقاً..إذ كانت تشكو من آلامٍ في العمود الفقري، لكنها عادت فوراً إلى القاهرة وأجرت من الطائرة اتصالات أخرى قام بها أحد رجال مكتب الرئيس والدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري.

وكان صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك ممن تلقوا بعض هذه الاتصالات.التقط القمر الصناعي الإسرائيلي الاتصال الأخير، وهو ما جعل الإذاعة الإسرائيلية تسبق الإعلام المصري في إذاعة النبأ بدقائق.

ولاشك أن تنصت المخابرات الأميركية على هواتف حسني مبارك في أثناء حادثة «أكيلي لاورو» قصة تستحق أن تُروى، ففي السابع من أكتوبر من عام 1985 اختطف أربعة من مقاتلي جبهة التحرير الفلسطينية السفينة الإيطالية «أكيلي لاورو» غداة انطلاقها من ميناء الإسكندرية. وقد طلب الخاطفون من إسرائيل إطلاق سراح خمسين عنصراً من القوة 17.

وفي اليوم التالي قتل الخاطفون راكباً أميركياً مقعداً تبين أنه يهودي يدعى «ليون كلينغهوفر».... وفي التاسع من أكتوبر سلم الخاطفون أنفسهم للسلطات المصرية.. وتم الاتفاق على سفر الخاطفين وإنهاء الأزمة بهدوء.

تابع : ملف عصر من الفساد (الحلقة العاشرة)

الجميلة والمشير.. فضيحة في قصر مبارك 10-11

الرئيس «رسمياً» في كل كتاب وكلماته علمت الأجيال «نسيان رأيهم» 
عصر الصمت.. . كلمة واحدة تخرج «أكبر دماغ» من الحياة العامة 


يعتبر المفكر د. «م.ف» (مصطفى الفقي) من القلائل، الذين يعرفون حقيقة الصراع بين مبارك وأبوغزالة وقد تم الزج باسمه في قضية لوسي آرتين. لأن بعض أركان النظام السابق اعتبروه متمرداً، حيث أقحم نفسه كثيراً في «عش الدبابير» فكان دائماً مثيراً للجدل، خاصة أنه عمل داخل مؤسسات الرئاسة والخارجية ومجلسي الشعب والشورى، كما انفتح على المجتمع من خلال آرائه وأفكاره وتفاعل حتى مع المعارضة.. وهو ما مكنه من أن يقترب من الأحداث والشخصيات.. ويبتعد أيضاً ليكون صورة أقرب للحقيقة.

وعندما سألته هل تشعر بأنك ظلمت عندما استبعدت من الرئاسة؟ فقال الرجل كشاهد على عصر وجزء من قضية بعض أطرافها رحلوا والبعض الاخر في السجن: أعتقد أنني لم أخذ فرصة الدفاع عن النفس، خصوصا أن أدائي الوظيفي كان أداء جيدا، واستمررت به 8 سنوات وليس 8 أيام أو 8 شهور، ولكن كانت تلك هي الظروف.؟ كنت كبش فداء في القضية الكبيرة؟ لا أستطيع أن أقول ذلك لأنني خرجت قبل بداية القضية، قبل التسجيلات التي تمت لمجموعة المشير أبوغزالة، والقضية المعروفة في ذلك الوقت، ورب ضارة نافعة خرجت وحصلت على جوائز الدولة متتالية، وأصدرت كتابي وأصبحت معروفا في المحافل الفكرية أفضل بكثير.

إلى أي مدى كنت تشعر بأن المشير أبوغزالة متورط في قضية «لوسي أرتين»؟ المشير أبوغزالة خرج لأسباب أخرى، ولكن استخدمت هذه القضية لتشويه صورته، وأعتقد أنه لحق به بعض الظلم في ذلك، يعني هو ليس هو المسؤول الوحيد الذي كانت له علاقات نسائية، فذلك غير صحيح، فمعظم المسؤولين في الدولة كانت لهم علاقات، وأنا أريد أن أقول لهم العبارة الشهيرة في الكتاب المقدس «أخرج القذى من عينك قبل أن تنظر إلى عين أخيك»، ولا يمكن أن نختزل التاريخ العسكري للمشير أبوغزالة في هذا الادعاء. قلت إنه خرج لأسباب أخرى؟ المشير كان يتمتع بشعبية كبيرة لدى القوات المسلحة، ويقترن بشخصية المشير عامر في هذه الشعبية، ومن غير المطلوب أبدا أن يتمتع قائد الجيش بشعبية بين ضباطه وجنوده. هذا أمر يقلق الرئيس في أي دولة.؟ وهذا ما أثار قلق الرئيس مبارك؟ لا أعرف، ولكنني أعرف أن هناك أسباباً أخرى خاصة بتجاوزات في أراضي البحر الأحمر، ثم استكملت عملية التشويه واغتيال الشخصية.

لوسي مهدت الطريق لجمال

وفيما يعتبر رداً لاعتبار المشير أبوغزالة.. يكشف لنا المفكر السياسي «م.ا» أن تلفيق قضية لوسي آرتين كانت تمهيداً لظاهرة جمال مبارك، وسيناريو التوريث الذي لم يكتمل. وبما ان كل الخيوط انكشفت بعد انفراط عقد النظام السابق في مصر بعد ثورة يناير 2011، فقد قدم المفكر السياسي شهادة مهمة، تكشف عن دور «ز.ع» و«ص.ش» ورجال مبارك في تلفيق قضية لوسي آرتين للمشير أبوغزالة تمهيدا لظاهرة جمال مبارك.

حيث يقول في شهادته على العصر: في صيف عام 1994، دعتني كجري عادتها من قبل الجمعية المصرية للمناهج للمشاركة في مؤتمرها السنوي، وكان ذلك في قرية سياحية بالإسماعيلية، وذلك من خلال ندوة مع بعض الزملاء.. ثم جاء دوري في الحديث، حيث كنت قد جهزت نفسي بمجموعة من التقارير الرسمية الخاصة بتطوير التعليم في مصر، منذ زمن علي مبارك، في عهد الخديوي إسماعيل، بحكم ما لي من معرفة وخبرة بالتأريخ للتعليم في مصر ووفقا للتخصص المهني والأكاديمي. وأمسكت بكل تقرير سابق مبينا للجمهور أن المسؤول المختص بالتعليم، كان يركز حديثه في «الموضوع» وأن التعليم أمر يتصل بمصر ومستقبلها، ثم أمسكت بآخر تقرير، حيث كان «ح.ب» هو الوزير المختص وقتها، لافتا الأنظار إلى أن عنوانه كان (مبارك والتعليم) وأن هذه أول مرة في تاريخ التعليم في مصر يحمل تقريرا رسميا فيها اسم رئيس الدولة. ولم يكن الأمر مقتصرا على ذلك، بل أشرت إلى بعض الجمل، وكيف أنها تشير الى أن الفكرة التربوية كذا إنما هي من قالها السيد الرئيس، والفكرة كذا من بنات أفكارالسيد الرئيس.

وقلت إن رئيس الدولة ليس شرطا أن يكون عالما في الفيزياء أو الاقتصاد أو التربية، فالمفروض أنه مظلة الوطن كله، وأن نسْب الرأي لرئيس الدولة يكبل القارئ فيتحرج أن يقول ان هذا خطأ، وذاك رأي تافه، وأن هذا هو النهج نفسه الذي يتبعه «المتطرفون» الذين ينهجون نهج العنف، وكان العنف المسلح حتى ذلك الوقت، منتشرا، إذ كانوا ينسبون كل فكرة لهم بالقول ان الإسلام يرى كذا وكذا، بحيث يُعتبر كل من رأى رأيا مغايرا، في عداد الكفرة، وأن الصحيح أن ينسبوا رأيهم إلى اجتهادهم في فهم الإسلام، وبالتالي يسهل على هذا وذاك أن يعبر عن فهمه هو، فيصح الحوار ويثري عالم الفكر والمعرفة. وعندما هبطت من على المنصة، مازلت أذكر بعضا من تلاميذي، الذين تلقفوني مهنئين مباركين هذه الكلمة التي وصفوها بالشجاعة، مؤكدين أن لا يستطيع أن يقول هذا إلا «أستاذنا «ألم يكن» أمن الدولة» وحده هو الذي يتعقب الناس و«يسجل » لهم، وإنما - كذلك بعض التربويين ممن حملوا - ظلما - شهادة دكتوراه، وأصبحوا أعضاء هيئة تدريس يُعَلمون المعلمين، الذين يُعلمون - بدورهم مئات الألوف من أولادنا! ويبدو أن ما ذهب به «وسواس خناس» إلى الوزير، قد صادف هوى في نفسه، حيث كانت تعاملاتي السابقة معه، منذ أن توزر، لم تكن تريحه، حيث كانت تقوم على احترامي لذاتي، والاستمرار في الكتابة النقدية لما يجري على الساحة التعليمية، ولا يتسع المقام لذكر بعض الوقائع التي تبرهن على ذلك. ثم إذا بحملة مسعورة، استمرت سنوات طويلة على كاتب هذه السطور، حيث روّج الوزير الأسبق تهمة أنني هاجمت رئيس الدولة «السابق» في مؤتمر عام، حتى استقرت هذه المقولة في الوعي العام للسلطات الرسمية والإعلامية، فإذا بي اصبح إنسانا يُخشى الاقتراب منه! وليت الأمر اقتصر على ذلك، فهو شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرهاوإنما، كما حدث لكثيرين تحت ظلال النظم القهرية، التي تُفّرخ قيم نفاق وتملق، استهدفت الحملة الشعواء الظالمة تشويه صورتي، بكل الوسائل والأشكال، وكان من المشاركين فيها هؤلاء الذين أشرت إليهم، الذين هنأنوني عقب انتهاء كلمتي مباركين فخورين.. وغيرهم من طلاب السلطة، والمغرمين بالوقوف على أبوابها، والذين لا يجدون الدفء إلا على حجرها!إنها عادة النظم المستبدة الفاسدة، لا يواجهون الرأي بالرأي، والفكرة بأخرى، ولا يبادرون فيعتقلون ويسجنون، حتى لا تبدو «شهيد فكر»، وإنما لابد من تلطيخ الصورة، وتلبيسك من التهم ما لا يخطر على البال.

إعدام سياسي

قالوا إن مبارك فعل مع «عمرو موسى» حين كان موسى يشغل كرسي وزارة الخارجية المصرية.. ما فعله مع المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة.. فقد أطاح بموسى بعيداً عن دائرة السياسة والأضواء والسلطة داخل مصر، إلى جامعة الدول العربية في منصب الأمين العام... قالوا إن السيناريو نسخة ثانية لنسخة عزل مبارك المشير أبوغزالة، وإقصائه بعيداً في منصب شرفي وهمي لا يسمن ولا يغني من جوع هو مساعد رئيس الجمهورية.. وهو منصب كما يكن موجوداً في الأساس على خريطة الدستور أومنظومة السلطة في مصر.. كان وهماً..!

لقد كان الراحل أبوغزالة عسكريا تفخر به مصر حتى لقد خاف مبارك من الهالة الرائعة التي أحاطت بالمشير، ثم إذا بزبانية جهنم، ينتهزون فرصة قضية لوسي آرتين ليزجوا باسم الرجل فيها، فتكون فرصة للتلويث، والإبعاد!

كان كاتب هذه السطور حتى عام 1995 ملء السمع والبصر، رغم حرصي الشديد على «الطلاق البائن» لأي موقع تنفيذي مهما علا، لأكون حرا طليقا، وفقا للقاعدة المعروفة التي تؤكد أن «الاستغناء» هو الطريق إلى «الغني» الحقيقي، حتى ولو فرغت اليدان من النفوذ السلطوي، والمال! ولم أكن أدري وقتها أن هناك قلوبا يأكلها الغل والحقد، فإذا بعدد من الأيدي المعاونة في الحملة تقذف بحمم بترولية لتزداد النيران اشتعالا على كاتب هذه السطورورغم كل ذلك، أسرّ بعض المعارف أن بالإمكان بكلمة اعتذار واحدة، أن يرضي الوزير عني وتتوقف الحملة.

هجوم «حاملي المباخر»!

وكان ردي أن ما قلته هو ما أومن به، فكيف أعتذر عنه؟ وأقسمت أن قامتي ستظل مرفوعة، ولن تطأطأ لمخلوق. وبدأ حملة المباخر يواصلون حملتهم، خاصة وقد وزعت عليهم المكافآت: هذا وذاك عميد كلية، وسفريات، وجواز رسمية، وسفريات، وتلميع إعلامي، وأنهر من المال أخذت تتدفق، فإذا بكثيرين يخافون الاقتراب مني، علنا، ثم يحادثونني سرا بالاعتذار، معلنين تقديرهم، والوعي بما يجري من سوء سلوك، وأنهم مضطرون لذلك، وإذا بكل المؤتمرات والندوات التربوية يتحاشى مسؤولوها دعوتي بعد أن كانوا يتلهفون على ذلك، بل إن بعض الذين ظلوا على صلة بي، جاءوا ينشدون مني الاعتذار بنفسي عن المشاركة في مؤتمر كانت جامعتهم تنوي عقده حيث كنت من الذين نوت الجامعة تكريمهم، لأن معالي الوزير هدد بأنني لو شاركت فسينسف المؤتمر كلية.. وكنت من حسن الحظ مدعوا في الوقت نفسه إلى مؤتمر في جامعة الإمارات، فتنفس الناس الصعداء!!وكان للراحل «ف.أ» فضل بدء كسر الحصار، حيث دعاني إلى ندوة بمؤتمر علم النفس بالسويس عام 2000، والغريب أنني كتبت مقالا عن هذا المؤتمر محييا الجهد المبذول، فإذا بالراحل يحادثني في الأسبوع التالي، بصوت عال غاضب، متعجبا، مشيرا إلى مقال نُشر ينتقدني، بمناسبة تحيتي لمؤتمر علم النفس، ما دفعه أن يقول بتعليق لا أستطيع التصريح به، مادام الرجل في ذمة الله، ولم يصرح لي بنشره.ثم إذا بتحول آخر، فبعد أن كانت أي صحيفة ترحب بسرعة وشدة أن أكتب فيها، ثم إذا بمقالاتي لا تنشر هنا وهناك، ولما شكوت لأحد المعارف في دار صحافية، رد قائلا ان الدار لا يمكن أن تضحي بخمسين مليونا من الجنيهات من أجلك حتى ولو كنت نجيب محفوظ نفسه! وكانت وزارة التربية تغذي دور الصحف بملايين من الجنيهات، لطباعة ملايين النسخ من الكتب المدرسية، فكأن الوزير- كما يقولون يمسك الدور الصحافية من اليد التي تؤلمها!ولما ضاقت بي السبل، حيث لا أطيق ألا أكتب مقالا وأكثر حول قضايا التعليم والسياسة، وجدت جريدة ذات طابع «إخوانى» ترحب بالنشر لي (آفاق عربية )، فلما بدأت أكتب على صفحاتها، إذا بها فرصة لمزيد من الدس والهجوم، فيشيع فريق السلطة أني من الإخوان المسلمين، وما أدراك ماذا يكون موقف إنسان في ذلك الوقت يُتهم بأنه من الجماعة المحظورة، بل وكتب صحافي كبير في جريدة الأخبار يغمز ويلمز بما زعمه من صلة لي بالإخوان، حتى لقد ترسخ هذا الفهم لدى كثير من الدوائر الثقافية والإعلامية، دون أن يتنبه أحد أنني سبق أن كتبت في (الأهالي) و(الوفد)، و(العربي) الناصرية فهل كان هذا يعني أني ماركسي أو وفدي أو ناصري؟كانت الحملات تتوالى هجوما باعتباري التربوي الوحيد الفاسد من بين عدة آلاف من التربويين، ويسألني بعض ذوي النوايا الطيبة بالرد، فأعزف عن هذا، لأني أعرف الأسباب والدوافع، فضلا عن أني لم أكن أحفل بمثل هذا، فالجميع، من التربويين، يعرفون من هو كاتب هذه السطور حق المعرفة، وامتثالا كذلك لنصيحة الشاعر أحمد شوقي عندما شكى إليه محمد عبدالوهاب من بعض المقالات التي كانت تتهمه بكذا وكذا، فإذا بشوقي يطلب من عبد الوهاب أن يأتي بهذه الصحف والمجلات التي نشرت الهجوم، ورصها أمامه، بعضها فوق بعض، وطلب منه أن يقف فوقها، قائلا لعبدالوهاب انه بهذا ترتفع قامته، أكثر وأكثر.فلما كان الخامس والعشرون من يناير 2011، وبدأت الأحذية تهوي على سيرة مبارك وصوره، لم يكن أمامي إلا أن أرفع يداي حمدا لله أن أراني هذا اليوم، بعد أن سعيت إلى إزاحة اسم الرجل وهو على سدة الحكمولم أكتب اليوم للتظاهر بالبطولة، كما هو جري عادة كثيرين في مثل هذه الظروف.

«المخيف» الذي جند لوسي آرتين

دخل الدكتور المخيف على خط إحدى البرامج التلفزيونية التي تتحدث عن وفاة المشير أبوغزالة وتربطه بقضية لوسي آرتين فقال بحزم: بطلوا تجيبوا سيرة مؤسسة الرئاسة.. وكان أن تم قطع الهواء عن القناة وعوقب المذيع بعدها لفترة قصيرة.

لم يكن ذلك الرجل سوى «ز.ع» حامل مفاتيح القصور الرئاسية وهو الذي كان يسبق قدوم مبارك في أي مكان، كلما تراه يسبق الحرس تعرف أن الرئيس قادم لامحالة وهو يمارس دور المعارض في البرلمان لينقل لرئيسه كل ما يدور تحت القبة.

وقد ساهم «ز.ع» في تجنيد لوسي آرتين لصالح مبارك ونظامه للقضاء على أسطورة أبوغزالة فقد أتى بها من بين سهرات وحفلات المجتمع الراقي، لتكون جليسة للرئيس مبارك في جلساته الخاصة، وهي الجلسات التي كان يرفه فيها عن نفسه بعد عناءات أيامه الطويلة في الحكم، وكانت مهمة لوسي تحديدا هي أن تحكي للرئيس مبارك النكت وتحديدا النكت الإباحية، ولأنها لم تكن قادرة على حفظ النكت، فقد كان «ز.ع» يكتب لها النكت التي يحصل عليها من أصدقائه، حتى إذا نسيت الحسناء نكتة ما أخرجتها من الورقة لتتذكرها منها.

«جميلات» رئيس الجمهورية !

«ز.ع» وبعد أن خرجت لوسي آرتين من دائرة السياسة، ظل على علاقته بلوسي آرتين، فلم يكن الرجل يقطع علاقة ربطته بامرأة، حتى لو كانت العلاقة عابرة، وقد جمعته بها سهرات عامة كثيرة، وكانت لوسي تلجأ له في أزماتها، وكان لا يتأخر عنها أبدا حتى يثبت لها أنه الرجل القوي في مصر، لكن نهايته كانت مفزعة، فبعد الجاه والسلطان، أصبح حبيس زنزانة في سجن طرة، يعاني من الإذلال الذي يلاقيه كل يوم.

أما مبارك الذي كان يستمتع بوجود لوسي آرتين في مجلسه، فهو الآخر يعاني وبشدة من الحسرة التي تحيط به من كل مكان، ويقال في الدوائر السياسية الآن إن «أغلب الظن أن مبارك لو مات فإنه لن يموت بكل الأمراض الكثيرة التي أصابته.. بل سيموت من الحسرة، على ملكه الذي ضاع».. فمبارك كان يحرص على أن يأتي بالجميلات إلى جلساته الخاصة، بشرط ألا تفصح واحدة منهن عما يجري فيها، وقد كانت لوسي واحدة من جميلات جلسات مبارك.

لكنه وعندما أبدى المشير أبوغزالة إعجابه بها في إحدى الحفلات التي حضرها وكان مبارك موجودا، لم تعد لوسي مرغوبة، بل إنها طردت من معية مبارك، فلم يكن الرئيس السابق يريد من أحد أن يشاركه أي أحد حتى لو كان الرجل الثاني في الدولة، ليس بحكم منصبه فقط، ولكن بحكم علاقته بالرئيس مبارك نفسه. 

الخميس، 12 يناير 2012

تابع : ملف عصر من الفساد (الحلقة التاسعة)

الجميلة والمشير.. فضيحة في قصر مبارك 9-11
قائمة طويلة من «اللصوص الهاربين لأسباب صحية» برعاية نسائية 
مزاد القضاء والحماية.. بين الحسناوات ضاعت الحقوق والملايين 


الرجل القوي صاحب النفوذ الذي كان يقال إن نفوذه أقوى من مبارك.. وهو وزير اسبق وأمين حزبه الحاكم سابقا... جاء ذكر اسمه في معظم قضايا الفساد السياسي والمالي.. لكن لم يقترب منه أحد طوال 30 عاما.

لقد كشفت تحريات وملفات الرقابة الادارية أن لوسي ارتين صاحبة النفوذ، ولا نقول بفضل جمالها أو فتنتها أو إغرائها، وإنما بفضل علاقتها بالسادة الكبار.. تدخلت لدى الوزير «ي. و» (يوسف والي) لحل مشكلة عويصة، نزاع مزمن على أرض زراعية خاصة بكنيسة الأرمن، لم تجد الكنيسة واسطة أفضل من لوسي، وبالطبع تفضل الدكتور «ي.و» مشكوراً بحل المشكلة فوراً «أصلها لوسي حلالة العقد.. لوسي مخصص لها قطعة أرض في السويس وشمال سيناء، لوسي كان واحد كبير قوي قوي قوي يقول لها رجلك..لأ، جزمتك.. يا هانم فوق دماغي.. عبارة لها مدلولها الكريم أو الذليل... دليل على فساد عصر بأكمله».

والغريب رغم تلك الوقائع والفضائح أن القضية شهدت قراراً من النائب العام بحظر النشر فيها وهي القضية التي كانت في حينها تفتح شهية أي صحافي للكتابة عنها.

حظر نشر

أشهر نائب عام في مصر (رجاء العربي) أصدر قرارا بحظر النشر في قضية لوسي ارتين يستمد منصب النائب العام قوته كونه يعد من أهم وأخطر المناصب في الدولة.. لأنه ببساطة مسؤول عن ضبط الإيقاع السياسي والأمني والاقتصادي في بلد يقترب تعداده من الـ 85 مليون نسمة، كما أن النائب العام هو الشخص الوحيد قانوناً الذي له الحق في تحجيم اي شخصية تحوم حولها الشبهات، بأن يحدد إقامتها، أو يمنعها من السفر أو التصرف في أموالها، بالإضافة الى كونه الملاذ الآمن لكل صاحب حق يريد الحصول على حقه، ولذلك يلجأ إليه أصحاب المصالح والحاجات، لضمان سرعة البت والفصل في القضايا التي يتم عليها الموافقة أو التأشير من النائب العام.

كما أن النائب العام هوالشخص المخول بحفظ أي قضية، بناء على سير التحقيق فيها أو طلبات المحامين العموم، أو لوجود اعتبارات سياسية أو أمنية تضر مصلحة البلاد وبالتالي فالنائب العام كما أكدت تلك المصادر يستمد قوته من الدولة والذي يعد من أهم الرموز القضائية فيها كما يستمد هيبته وقوته من القانون الذي يحرص على تنفيذه وإعمال مواده بكل امانة، ونزاهة، وثقة، كما أنه يستمد قوته من طبيعة شخصيته، والتي تكون في الغالب الأعم محصنة ضد الفساد أو الإفساد، بالإضافة الى الشخصية القوية التي لا تتأثر بأي ضغوط خارجية، سواء أكانت سياسية أو أمنية وهذا لأن النائب العام تتعلق برقبته مصالح العباد، الأغنياء منهم والفقراء، كما أنه مسؤول مسؤولية مباشرة أمام القيادة السياسية الحاكمة كما يؤكد المصدر القضائي أن الشخصية القوية النزيهة تفرض نفسها على الجميع وتحوز احترام الكل سواء كانت تلك الشخصية المتعلقة بالنائب العام أو الطبيب في العيادة، أو المحامي في قاعة المحكمة أو حتى المدرس في الفصل .

علامات استفهام

إلا أن النواب العموم ليسوا كلهم كما تؤكد الوقائع.. فالتاريخ القريب للمستشار «ر.ع» يؤكد أنه أثار ضجة كبيرة اثناء توليه المنصب حيث ارتبط اسمه باسماء تدور حولها علامات استفهام كثيرة لوجود بعضها في السجن وهروب البعض الآخر للخارج، ومن هذه الاسماء لوسي آرتين و«ع. ع»  (عليه العيوطي) و«أ. س» (أشرف السعد) و«ع. ش» و«أ. ر» (أحمد الريان) كما ثارت حول المستشار ضجة أكثر، عندما تم اختياره ليكون عضواً في مجلس الشورى ليصعد ويرتقي أعلى السلم التشريعي وكما يقول الأرشيف الصحافي للنائب العام الأسبق المستشار «ر.ع» فإنه «استاذ سياسة» والدليل أنه عندما انتهى من التحقيق في مظاهرات 18 - 19 يناير1977 اطلق عليها بسخرية منقطعة النظير انتفاضة الحرامية وهي العبارة التي رددها الرئيس السادات كثيراً في اكثر من خطاب في حين أطلق عليها مثقفو مصر «الانتفاضة الشعبية».

قائمة الهاربين

كما أن أي مطالع لتاريخ النائب العام الأسبق المستشار «ر.ع» لا ينكر أن الرجل حدثت في عهده هزات اقتصادية كبيرة منها انهيار شركات توظيف الاموال وتحويل اموال المودعين الى المدعي العام الاشتراكي لتضيع على أصحابها حتى كتابة هذه السطور بالإضافة الى تلك الأقاويل التي ترددت في الصحافة ولم يتم الرد عليها كتغاضيه عن هروب «أ.س» إلى لندن، وعدم منعه من السفر وفتحه الباب لـ «ع.ع» لتلحق هي الأخرى بقائمة الهاربين بحجة العلاج خارج مصر والإقامة في لندن بالإضافة الى التصاق اسمه برائد البلاستيك صاحب المصانع الشهيرة، وعلاقته بحوت الاستثمار «أ.ر» و«أ.س» صاحب كشوف البركة ويبدو أن تلك الاشاعات التي التصقت بشخص النائب العام الاسبق المستشار «ر.ع» قد ساهمت في تشويه صورة الرجل أمام الرأي العام وذلك سعى مبارك لحمايته خوفا من مساءلته فقام بتعيينه ليكون عضواً في مجلس الشورى ورئيس اللجنة التشريعية فيه.

وتشاء الأقدار أن ينقلب السحر على الساحر.. ويقدم بعض المحامين بلاغات تطالب بفتح ملف لوسي ارتين بعد ثورة 25 يناير.. القضية نفسها التي أغلق ملفها المستشار.. من أجل وضع حد للحديث عن رجال مبارك.. صنع منها قضية الموسم، ولفت إليها أنظار الملايين الذين عرفوا من تفاصيلها شفاهة أضعاف ما كانوا سيعرفونه لو كانت تحقيقات الجهات السيادية بالكامل قد نشرت في جميع صحف مصر بطولها وعرضها.. كان الهدف من حظر النشر وقتها هو منع خروج تسجيلات تلفونية جرت بين كل هذه الأطراف إلى النور، وتظهر مدى استخدام لوسي آرتين أسلحتها الأنثوية واستعانتها بكل ما أوتيت من قوة وذكاء وأيضاً إغراء. ورغم انقضاء فترة طويلة على إغلاق ملف القضية، وعلى الرغم من قرار الحظر الذي صدر، فإن القضية المثيرة لاتزال حتى هذه اللحظة تحظى باهتمام الجميع.

المرأة والفساد

كل هذه الوقائع وغيرها.. جعلت قضية لوسي آرتين، تفتح ملف المرأة والفساد في مصر المحروسة.. فهن موجودات بشكل مباشر أو غير مباشر... فوراء كل مفسد امرأة... ساحرة أو ماهرة... ولعلنا نذكر سيدات الأعمال اللاتي هربن بأموال مصر بشكل رسمي وعبر البوابات والمطارات بفعل نفوذهن وأنوثتهن المؤثرة لدى أركان النظام السابق والأمثلة على ذلك كثيرة.. «هـ.ع» و«م. ش» و«م.م» و«س.ه» إلى آخر طريق الفساد الذي يتمسك بالفضيلة ويقلوظ العمة ويصنع طابورين للفساد... طابوراً للرجال وطابوراً للنساء... قد يتقاطعان أو يتباعدان أو يتماسان لكنهما ينتهيان إلى شباك بنك من البنوك... «ع.ع» الساحرة الفاتنة هي ابنة صاحب بنك النيل الذي كانت هي العضو المنتدب الذي يملك كل الأمور التنفيذية... كانت تعاني مرارة الوحدة بعد طلاقها عندما التقت الساحرة بالساحر «م.ع» المطلق وقتها وعضو مجلس الشعب وكان الزواج الذي عارضه أبوها بشدة وصارحها بأن نهاية أسرة «ع» ستكون على يديه وهو ما حدث بالفعل (مات ابن ودخل الآخر مصحة نفسية وسجنت بنت وهربت الأخرى ورقد الأب مريضاً)... اتخذ «م.ع» وأصدقاؤه بنك النيل كستار لنهب البنوك المصرية... تخرج منه خطابات الضمان الوهمية بأن بنك النيل يضمن فلان وفلان فتتدفق القروض في جيوب «ع» وشلته، وتتضخم ثروات «ع.ع» من الرشاوى التي تحصل عليها نظير هذه الضمانات الوهمية لشركات وهمية... في إحدى المرات مثلاً أقاموا شركة بكلفة 230 ألف جنيه تسلموا بضمانها قرضاً - لم يسدد- قدره 23 مليون جنيه... مئات الملايين خرجت من البنوك بهذه الطريقة... فلم يجد الأب أمامه إلا أن يبلغ ضد ابنته حتى يبرئ نفسه مما يحدث... وصرح بأن هناك ضغطاً عليه من مكتب النائب العام - وقتها - حتى يتصالح وينهى القضية ودياً... كان النائب العام السابق يلملم أوراق مكتبه ليغادر منصبه إلى المعاش وكان آخر ما وقعه إذن سفر لـ «ع.ع» بحجة العلاج في الخارج... وقد رآها كثيرون بصحة وعافية تتمتع بنقودنا في ملاهي باريس ما أثار الصحافة ضد النائب العام السابق خاصة أنه منح أذناً بالسفر للعديد من المتهمين في القضية نفسها.

موضع الشبهات

تساءلت الصحافة كيف يمنح النائب العام إذناً بالسفر والمحكمة كانت على وشك إصدار حكم في القضية ولماذا يضع نفسه في موضع الشبهات ويصدر أذون السفر قبل مغادرة منصبه بساعات... وطالبت الصحافة بمحاسبته عن قراراته الغريبه وغير المبررة في قضايا أخرى مثل قضية «لوسي آرتين» وقضية مقتل زوج «هـ.ص».

وقال فقهاء القانون انه حتى لو كان القانون في صف قرار النائب العام السابق لأنه يملك منح أذون السفر، فإنه كان ينبغي ان يبتعد عن الشبهات... فالواضح أن «ع.ع» متهمة بشكل خطير في قضية تبديد ملايين الجنيهات وتشغل قضيتها الرأي العام... ولم تكن مريضة بشكل يحتم سفرها ومن ثم كان على «ر.ع» أن يعرض الأمر على المحكمة درءاً للشبهات خصوصاً أنه سيحال إلى التقاعد بعد أيام. وقال فقيه قانوني «كان من الملائم والمتبع عرفياً أن يتشاور النائب العام مع هيئة المحكمة قبل إتخاذ قرار منح أذن السفر وإن الانحراف في استخدام السلطة قد لا يظهر في ظاهر القرار إلا أن الباعث على اتخاذه قد يكون غير شرعي... وقال رئيس قسم القانون العام في حقوق عين شمس أن هناك واقعة أخرى أُتخذ فيها قرار بالمنع من السفر تدل على أن النائب العام يكيل بمكيالين... فقد أصدر قرارا بمنع السيدة «م.م» من السفر بناء على طلب أرسله أحد وكلاء وزارة الزراعة لمجرد انها كانت سافرت بعثة على حساب الوزارة وعليها أن تسدد قبل أن تسافر «أي أنها لم تنهب الملايين ومنعت من السفر» .

وبالفعل أصدر النائب العام السابق قراراً سريعاً بمنع السيدة «م» من السفر ثم أحال قضيتها للتحقيق وثبت بعد ذلك أنه كان من حقها أن تسافر... ويبقى التساؤل في حالة «ع.ع» لماذا الاستعجال في منح إذن السفر قبل إحالته للتقاعد بأيام... وأشار محامو «ع.ع» أن النائب العام السابق كان سيتخذ قراراً بحفظ القضية لولا تدخل البعض... ويبدو ان الصحافة كانت تكتم في صدرها الكثير مما كانت تراه غريباً وغير مفهوم من قرارات النائب العام السابق فاستمرت في نهشه خاصة أن الرجل أحيل إلى المعاش وأصبح من دون سلطات... لكن الحكومة سارعت إلى تعيينه في مجلس الشورى لتكسبه الحصانة وتسدل الستار على الموضوع... فأغلق الجميع أفواههم وصدر نداء من المدرس «الحكومة» للتلاميذ «الصحافيون» (ضع القلم) فوضعت الأقلام ورفعت وجفت الصحف وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح وعن حديث «الطفاشة» و«المفتاح».

الحسناء و«عش الدبابير»

ولم يتوقف الأمر بالتدخل من أجل لوسي ارتين عند النائب العام حامي حمى القانون والعدالة في مصر.. بل المثير والغريب أن الموضوع وصل للرئيس نفسه.. وهناك رواية مثيرة في كواليس قضية لوسي ارتين وقد اقترب المستشار «ح.ج» من دائرة اتخاذ القرار في فترتين مهمتين من تاريخ مصر، الأولى عندما كان مستشارا قانونيا لمجلس الشعب أواخر عهد الرئيس أنور السادات، حيث أشرف على صياغة التعديلات الدستورية عام 1980، والثانية من 1990 إلى 1993 عندما كان رئيسا لمجلس الدولة، وشهدت هذه الفترة صياغة العديد من القوانين التي أثارت جدلا مثل قانون قطاع الأعمال العام وتكرر خلالها الصدام بين السلطتين القضائية والتنفيذية ثم تم مد سن تقاعد القضاة. ويقول المستشار: التقيت بالرئيس السابق حسني مبارك أول مرة عند أدائي اليمين الدستورية أمامه رئيسا لمجلس الدولة عام 1990، حيث تم استدعائي مع المستشار «ك.أ» رئيس مجلس القضاء الأعلى آنذاك، لأداء المراسم في قصر رأس التين بالإسكندرية، في حضور رئيس الوزراء آنذاك ووزير العدل «ف. س» و«ز.ع» رئيس الديوان الجمهوري، وعقب أداء اليمين اجتمع مبارك بنا وطالبه أنور بتوفير الإمكانات ورفع رواتب القضاة، وشكا له عدم تخصيص سيارة لرئيس محكمة النقض فأمر بتخصيص سيارتين لي ولـ «أ».

مأدبة إفطار رئاسية

ويستطرد : تطورت العلاقة بيننا خلال 3 سنوات هي فترة رئاستي لمجلس الدولة حتى أحلت إلى التقاعد بعد بلوغي سن الستين في يونيو 1993، حيث طلبني مبارك مرة أخرى في الإسكندرية لمنحي وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديرا لعطائي القضائي، فسافرت إلى الإسكندرية بالطائرة الرئاسية بصحبة «ف.س» وكان معنا على ذات الطائرة وزير الخارجية آنذاك «ع.م» والرئيس الإسرائيلي الحالي شيمون بيريز اللذان كانا مدعوين على مأدبة إفطار رئاسية.

ويتذكر المستشار «ح.ج» كيف اتصل به أحد معاوني مبارك (رفض ذكر اسمه) يسألني عن دعوى في القضاء الإداري أقامتها لوسي آرتين، التي أثارت جدلا آنذاك بعلاقتها ببعض رجال الدولة، فسألته «انت ليه بتسأل عن واحدة زي دي؟ مين بيسأل تحديدا إنت ولاّ الريس؟» فقال لى «إحنا» وبعدها علمت أن لوسي آرتين أقامت الدعوى للحصول على تصريح بالسفر مع أبنائها القصر من دون إذن زوجها.

يضيف: حاولت عمليا من خلال إرسال طلبات اعتماد الدرجات القضائية الجديدة والترقيات إلى الرئيس مباشرة دون تمريرها على وزير العدل، فاتصل بي «ز.ع» محتدا «متبعتش تاني مباشرة العلاقة المباشرة بين الرئاسة ووزير العدل» .

وفي مناسبة أخرى، طالبت بتحديد عيد للقضاء مثل عيدي العلم والشرطة فاتصل بى «ز. ع» أيضا وقال «ازاي بتقول الكلام ده؟ العيد موجود فعلا بس احنا مش بنعلن عنه» ولم أجد ردا مناسبا على هذا الادعاء.

ويشير المستشار إلى قناة الاتصال بينه وبين مبارك كانت دائمة أحادية الاتجاه، فلم نكن « القضاة» نستطيع الوصول إليه عندما نحتاجه، بل إن حرسه الشخصي منع المستشار «ك. أ» يوما من لقائه بعد نزاع مع رئيس الحكومة.. بدأت القصة بأنني اتفقت مع «أ» على وضع قواعد صارمة لندب وإعارة القضاة منها قصر فترة الإعارة على 4 سنوات تجدد مرة واحدة فقط مع إحالة المخالفين الذين يرفضون العودة إلى الصلاحية، فأنذر «أ» 4 قضاة مخالفين كان أحدهم مقربا من «ع.ص» فاستصدر منه قرارا يسمح بتجديد إعارة القضاة الأربعة. 

( مقال هام جدا) .. ثورة وثورات مضادة

ثورة وثورات مضادة
تناقض الصحوات وتآلفها ضد العروبة!
(الجزء الأول)
عادل سمارة

من الدروس الأولية المستفادة مما يدور في الوطن العربي، وما يُدار فيه، أن لا حدث يمكن حصره داخل اي بلد وخاصة من بلدان محيط النظام الرأسمالي العالمي.

ومن هذا بوسعنا استنتاج قواعد ثلاث:

الأولى: أن مركز النظام العالمي ما زال قوياً، بل هو القوي، وأن حضوره التدميري على الصعيد العالمي قد احتفظ بقوته إلى لحظة كهذه أكثر من غيرها، وأن اعتماد القوة المكشوفة اصبح الأداة المباشرة في تمسك المركز بمصالحه على صعيد عالمي، فهو يتمتع برصيدين:

1. الاختراق المتواصل والمتشعب في الوطن العربي؛ انظمة، طبقات، شرائح، أفراد، متمولين، أكاديميين، مثقفين جنرالات...الخ، وهو اختراق مزمن ومتوارث وليس طارئاً وجديداً.
2. وقوة النار العارية دون مواربة والتي ترفضها القطبيات الصاعدة (روسيا والصين خاصة) ولكنها تخشاها، وهي قوة يصعب سحقها بقوة نظامية بل بقوة الشعب ما لم يكن مخترقاً بأدوات تفكيك عديدة؛ طائفية، مذهبية، إثنية...الخ.
 صحيح أن تجربة مذابح يوغسلافيا والعراق وافغانستان قد دفعت المركز لتجريب الهيمنة الثالثة (استخدام منشقين-قوى وأفراداً وشرائح وحتى كمبرادور- من كل بلد في نفس البلد ليعلو هو الجو، أي الناتو فيضرب من الهواء-حالة ليبيا- ثم يتسلم البلد خراباً؛ فيصبح استعماره لها جد "شرعي" حيث ستعمرها شركاته، فمن الحاكم إذن؟ 

لكن التدمير من الفضاء لا يعني تغييراً نهائياً في استراتيجيته من جهة ولا نفياً كلياً لتدخله الأرضي من جهة ثانية. فكل شيئ قابل للاستخدام لدوام السيطرة وصولا إلى الربح اللامحدود. لذا، فمن أراد حماية وطنه ومواجهة المركز الراسمالي في حقبة العولمة، أي مواجهة الثورة المضادة بالثورة،  لا بد أن يفهم هذه المعادلة جيدا.

 متعلق بهذه القاعدة أن النظام الرأسمالي العالمي لم ينتقل بعد إلى ثنائية أو تعددية القطبية، وأن روسيا والصين ما تزالان أضعف من التحدي المفتوح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بمعزل عن حدود فاعلية اليابان، ناهيك عن أنهما ليستا خارج نطاق نظام الرأسمالية، وإن كانت روسيا تحتفظ بعد بروحية معينة ضد الغرب الراسمالي ربما ببقايا الثقافة الاشتراكية المناصرة للشعوب المقهورة متراكبة على دفاع عن القومية الروسية بل عن السلاف جميعاً، وأن الصين لم تُحسم نهائياً لصالح راسمالية متغولة وإن كان النمو الاقتصادي يشكل أداة راس المال الطبقية في الحسم الداخلي.

قد تفسر هذه الأمور الشكل الذي يتطور في مشروع  الثورة المضادة في الوطن العربي بقواها الأربعة:
1. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
2. أنظمة الكمبرادور القطرية العربية·
3. الإسلام السياسي الإخواني والوهابي (يوازيه إقليميا التركي وعالمياً الأميركي)·
4.    الكيان الصهيوني.

 نقصد بشكل السيطرة الجديد تقسيم العمل بين الإمبريالية في الخارج وأدواتها في الداخل وخاصة بعد توسيع قاعدة هذه الأدوات لتشمل:
·      أنظمة الكمبرادور القطرية·
·      قوى سياسية لها قاعدة شعبية كالإخوان·
·  راسمالية القطاع الخاص التي بدأت الولايات المتحدة الضغط على النخب السياسية لإشراكها في الحكم منذ 1995 لتوسيع قاعدة السلطة لضمان بقائها ولتعميق تبعيتها.
 بمعنى أن القطاع الخاص الكمبرادوري له مصلحة طبقية مادية مباشرة مع المركز، بينما النخب السياسية لها مصلحة من مدخل مختلف.
 وربما هذا ما لاحظناه في مصر وحتى تونس، سقوط راس النخبة السياسية وبقاء الطبقة المالكة والشريكة في الحكم.

يقوم تقسيم العمل الجديد هذا على الهيمنة الثالثة وهي كما في ليبيا تحريك قوى محلية ضد الوطن وليس فقط ضد الأنظمة المحلية كما في ليبيا بينما يكون دور الإمبريالية هو القصف من الجو وتوفير الأسلحة وتقنية القتل، وهو ما تحاوله في سوريا عن طريق الإرهاب وتفكيك مفاصل الدولة.
وبالطبع هذا لا يعني أن الإمبريالية لن تتدخل كاحتلال مباشر بالمطلق، مع العلم أن تدخلها السري لا شك قائماً. 

ما يمكن استفادته من الهيمنة الثالثة:
 أولاً: هو وجوب أن نؤكد على الوضع الطبيعي للصراع وهو الحرب الأهلية. وكأن نتائج العدوان على أفغانستان والعراق قد شلت يد المركز جزئياً عبر هلعه من النزول إلى الأرض، وهذا يشكل موقفا وموقعا قويا للقوى الثورية.

ثانياً: أن الوطن العربي يتغير، لن يبقى كما هو.  وليس شرطاً أن يتغير بمجموعه بنفس الاتجاه والنسبة، فبعضه باتجاه التغير الذي يحمل السلب، بل الانحطاط كما في ليبيا ويبدو جزئياً في مصر، و/أو  الإيجاب،  وبعضه باتجاه التطور. 

على الأقل في هذه المرحلة، فإن الثورة المضادة حاضرة في الوطن العربي ومتماسكة، ومع بدء الثورات والانتفاضات والرِدات بادرت الثورة المضادة بثورات مضادة، بهجوم معاكس في كل مكان ومع كل حدث، وأطلقت عنان الفوضى في الوطن العربي والخلاقة (لصالح المركز).

ومن الواضح أن الثورة المضادة تركز على حصر  ومحاصرة الحرك في اي قطر عربي داخله سواء من حيث الشعارات أو التفاعل ما بين قطر وآخر، وهذا يكشف استهداف البعد العروبي والمشترك القومي الذي تشكل الطبقات الشعبية قوته الرئيسية والتي هي وحدوية واشتراكية بمصلحتها وطبيتعها، وإن كان لا بد من تطوير وعيها السياسي الوحدوي الذي جرى طمسه عبرالعقود الطويلة من القطرية والتبعية وتجويف الوعي وتجريف الثروة.

بيت القصيد ان الغرب أو عموم الثورة المضادة يستميت كي لا يكون اتجاه الوطن العربي توحيديا، بل مزيداً من التجزئة.
لذا، يتم تعزيز التفكيك والدفع باتجاه تفكيك أكثر وأعمق وتغطية ذلك بمشترك يبدو إيجابياً ولكنه لا يحقق الوحدة، بل يخلق وحدة سراب، اي تعزيز توجه الإسلام السياسي الذي لا يمكنه توحيد الأمة العربية، بل يُرجىء ذلك كي يتحقق ضمناً عبر توحيد مليار ونصف مسلم موزعين على عشرات القوميات حيث كل واحدة منها موحدة ذاتياً باستثناء العرب.
هذا ناهيك أن العرب النصاري ليسوا مسلمين فماذا ستفعل بهم الوحدة افسلامية حين تأتي؟

هذا الشعار السرابي بتوحيد المسلمين بسبب تعددهم القومي وتبعية معظم انظمتهم للغرب الراسمالي وتباعدهم الجغرافي وتناقض مصالحهم الاقتصادية وإشباعهم بالإثنيات والطوائف...الخ  يضع العرب في برزخ خطر بمعنى، أن ينتظر كل قطر أو كيان عربي وحدة الأمة الإسلامية، بينما لا تنتظر ذلك لا إيران ولا تركيا ولا باكستان ولا نيجريا ولا إندونيسيا...كل أمة منها متحدة وتؤمن بالله! فلماذا لا يحق لنا أن نكون مثلهم؟
ثالثاً: إن سير التاريخ إلى الأمام ليس خطِّياً بمعنى أن قوة فعل الإنسان وتحديداً القوى المنظمة هي التي تحرك التاريخ  بما هو جسم حي قابل للصياغة وليس قدراً مفروضاً علينا.

 ومن هنا اهمية العمل على التقاط اللحظة والتأثير في زمام الأمور وهو الأمر الذي لا يتأتى بمعزل عن توفر الرؤية للثورة. 
لعل من اخطر ما رافق الثورات، وخاصة في مصر تلك المفاخرة بضعف الأحزاب أو غيابها والإطراء العالي للشباب دون أي سؤال عن انتظامهم كجماعة ولا عن رؤيتهم.
    
       صحيح أن خرق الجدار الأمني في كل قطر عربي ضرورياً، وهو عمل تاريخي، ولكن بقاء الأمر في حدود الرغبة في الثورة وتوفر الجرأة بدون رؤية وتنظيم هو أمر مروع، هو سلاح تستخدمه الثورة المضادة ايضاً، وهو الذي يؤدي إلى تفريغ الشحنة الشبابية من قوتها لتعود إلى التجويف السياسي .. تجويف الوعي الذي طغى في فترة ما قبل الثورة.

يجب ألا ننسى أن الثورة المضادة هي أكثر مهارة، وأكثر مالاً وأعز سلاحاً.. أليست هي التي التقطت بواكير الحراك في سوريا وليبيا  لتسحبه باتجاهها؟ ولأنها مسلحة بالبنادق والمال والاختراق تمكنت من احتلال ليبيا، وما تزال تهارش سوريا وتناور في مختلف أجزاء اليمن، وتحتل البحرين.  ماذا نسمي اختطاف المذهبية للثورة المصرية اليوم حيث يقتتل المسلمين والمسيحيين؟ هل هو اختطاف رجال الدين أم المخابرات الأميركية أم مخابرات الجيش المصري أم بقايا الحزب الحاكم، أم هذه جميعاً؟
أليس هذا نتيجة لفراغ الشباب من رؤية واضحة ليتابعوا تنفيذها وتجسيدها؟