القاهرة - أمينة خيري
الأربعاء ٧ نوفمبر ٢٠١٢
يحكى أنه بعد أسابيع وأيام مرت على العباد مرور اللئام، اكتشفوا أن
ساعات الانتظار ومشاعر الأشواق التي دبروها وجهزوها لاستقبال طائر همام لا
ينتمي إلى فصيلة العصفوريات ولا حتى الصقريات، بل هو يندرج تحت بند ذوات
المؤخرات، تبخرت في الهواء وتبددت هباء، بعدما اتضح أن «طائر النهضة» رغم
جناحيه المرفرفين ومؤخرته الموقرة ما هو إلا طائر أسطوري مثل الرخ
والعنقاء.
ولما كانت آمال البسطاء وأحلام الفقراء تعلقت بهذا الطائر المهيب أملاً في رفع البؤس عنهم ورغبة في ضخ الرخاء فيهم بعد عقود طال خلالها ظلمهم وسنوات اشتد فيها قهرهم، فقد استيقظوا ذات يوم على حلم جميل وفجر جديد أعاد تدوير حلم النهضة لكن هذه المرة عبر «حساب التطهر».
ليست هذه دعابة، لكنها الطريق الجديدة إلى «النهضة» الموعودة في برنامج الرئيس محمد مرسي وجماعته «الإخوان المسلمين»، والتي من شأنها أن تحقق حلم العدالة الاجتماعية الذي طال انتظاره واندلعت من أجله «ثورة يناير»، واعتلت باسمه جماعة «الإخوان» سدة الحكم لأنها الأكثر قدرة على تفعيله والأعتى حنكة في بلورته.
وتأتي البلورة هذه المرة في صورة حساب مصرفي بديلاً من طائر أسطوري وصفه الرئيس بالتفصيل من منقاره إلى مؤخرته. والحساب الذي أعلنه مرسي متعدد المنافع ومتنوع الاستخدامات، فهو ليس وسيلة لإيداع الأموال وسحبها فقط، بل هو وسيلة لعقاب المفسدين، وتطهير المخطئين، وتوبة المفسدين، ودحض المشككين، والأهم من ذلك تلقي الأموال في حساب 333-333 في البنك المركزي المصري.
دعوة الرئيس إلى الفاسدين والمرتشين والحرامية بالتطهر من خلال الحساب الرقم 333-333 لصالح «النهضة» هي الحلقة الأحدث في مفهوم العدالة الاجتماعية «إخوان ستايل» أو بمنهج جماعة «الإخوان» كما يبدو من الأشهر الثلاثة الأولى من حكمها.
وإذا كانت فكرة التطهر من خلال حساب 333-333 أثارت تساؤلات إجرائية عن طريقة استقبال البنك للمتبرع الفاسد المتطهر، وهل ستكون في انتظاره «زفة» شعبية لزوم الاحتفال بالتوبة، أم حلاق صحة لزوم إجراءات الطهارة، أم «بوكس» (سيارة شرطة) لزوم العقاب. تساؤلات أخرى ثارت عن قنوات إنفاق أموال الطهارة، وهل ستكون لاستعادة «طائر النهضة» المختفي، أم لبناء مساجد، أم لتحقيق برنامج «المئة يوم» الذي سقط بالتقادم.
ولأن مبدأ العدالة الاجتماعية غير قابل للسقوط بالتقادم، فإنه سيبقى شوكة في حلق النظام طالما لم يتحقق بعد، وطالما لم يتم اتخاذ أي خطوات فعلية أو حتى افتراضية لتحقيقه. أيديولوجياً، يمكن القول إن مبدأ العدالة الاجتماعية قائم في فكر «الإخوان» ووفق «إخوان ويكي» وهي النسخة «الإخوانية» من موسوعة «ويكيبيديا»، فإن «الزكاة وهي فريضة مقررة مقدرة وليست صدقة يدفعها الغني متفضلاً، وهي حق للفقراء، فإن لم تكف الزكاة لتوفير تلك الحاجات الضرورية، وجب على من عنده فضل مال أن يرده على الفقراء حتى يستوفوا حاجاتهم، فإن لم يفعلوا أجبرتهم الحكومة على ذلك واتخذت من التشريعات ما يكفل إصلاح حال المجتمع بقدر ظهور الحاجات وبروز الضرورات».
ولأن الحاجات ظاهرة والضرورات بارزة والإجراءات غائبة، فقد لاحظ المراقبون للأوضاع ظواهر عدة يمكن تحليلها في ضوء تفعيل العدالة الاجتماعية كل بطريقته. فهناك من الخطوات الهزلية التي يمكن تصنيفها تحت بند العدالة الاجتماعية ما بعد الحداثية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك مشروع للتوأمة بين المدارس الخاصة والحكومية، وهي توأمة قائمة تحت شعار «الناس لبعضها»، وهذا يعني أنه يتحتم على المدرسة التي تملك كفالة المدرسة التي لا تملك. ووفق وزارة التربية والتعليم، فإن كل مدرسة خاصة ستقوم بتبني مدرسة حكومية مجاورة لها، وذلك بإمدادها معنوياً ومادياً ورفع كفاءتها، وتطوير منشآتها، وتزويدها بالأثاث وغيرها من الحاجات.
توأمة المدارس تسير على خطى «اكفل طفلاً» الذي تطور إلى «اكفل أسرة»، وبعدها مشروع «اكفل قرية» الذي بدأ في عهد النظام السابق بعدما رفعت الدولة يدها عن الفقراء، تاركة إياهم للتبرعات والكفالات على سبيل التوأمة بين الفقراء والأغنياء.
حاجات المواطنين الآنية أيضاً باتت كذلك تعتنق مفهوم التوأمة، وإن كانت تدور بطريقة مختلفة نسبياً. فهناك جهود توأمة إجبارية تبذل يومياً في شوارع العاصمة يقوم من خلالها المواطن المقتدر بدعم توأمه غير المقتدر، شاء أو أبى. سائق الأجرة الذي يقرر أن الـ20 جنيهاً قيمة الرحلة، وفق ما يشير العداد، غير كافية، فيطبق على رقبة الراكب ولا يتركها حتى يستلم جنيهات خمسة إضافية لزوم التوأمة، هو أحد أشكال العدالة الاجتماعية الآنية.
توأمة أخرى تتجذر حالياً أمام ماكينات الصرف الآلي ومحلات الحلويات الراقية وبوتيكات الملبوسات ومراكز التسوق الفاخرة، حيث يتمركز الشحاذون ليلاً ونهاراً لممارسة طقوس الابتزاز المعنوي وأحياناً اللفظي للحصول على حقوقهم الاجتماعية من جيوب غيرهم.
كذلك الحال بالنسبة إلى إغلاق المتاجر في العاشرة مساء، والذي يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية من خلال منع المواطنين من الإنفاق، ومن ثم تقليص أرباح بعض التجار وخراب بيوت بعضهم الآخر، وهو ما يؤدي إلى قطع عيش العاملين لديهم، وهو ما يحقق مبدأ المساواة الاجتماعية بين الجميع.
خضوع الجميع لمبدأ «خذ ده من ده يرتاح ده عن ده» المتبع حالياً بديلاً عن رؤية واضحة لتحقيق عدالة اجتماعية هَرِم الجميع في انتظارها، يعضده شعور عام لدى فئات المجتمع القابعة باتجاه قاعدة الهرم الاجتماعي منذ عقود طويلة بأنه قد آن أوان تحقيق العدالة الاجتماعية بالطول أو بالعرض، بطائر النهضة، أو بحساب التطهر، أو كلٌّ وفق ما يتراءى له.
ولما كانت آمال البسطاء وأحلام الفقراء تعلقت بهذا الطائر المهيب أملاً في رفع البؤس عنهم ورغبة في ضخ الرخاء فيهم بعد عقود طال خلالها ظلمهم وسنوات اشتد فيها قهرهم، فقد استيقظوا ذات يوم على حلم جميل وفجر جديد أعاد تدوير حلم النهضة لكن هذه المرة عبر «حساب التطهر».
ليست هذه دعابة، لكنها الطريق الجديدة إلى «النهضة» الموعودة في برنامج الرئيس محمد مرسي وجماعته «الإخوان المسلمين»، والتي من شأنها أن تحقق حلم العدالة الاجتماعية الذي طال انتظاره واندلعت من أجله «ثورة يناير»، واعتلت باسمه جماعة «الإخوان» سدة الحكم لأنها الأكثر قدرة على تفعيله والأعتى حنكة في بلورته.
وتأتي البلورة هذه المرة في صورة حساب مصرفي بديلاً من طائر أسطوري وصفه الرئيس بالتفصيل من منقاره إلى مؤخرته. والحساب الذي أعلنه مرسي متعدد المنافع ومتنوع الاستخدامات، فهو ليس وسيلة لإيداع الأموال وسحبها فقط، بل هو وسيلة لعقاب المفسدين، وتطهير المخطئين، وتوبة المفسدين، ودحض المشككين، والأهم من ذلك تلقي الأموال في حساب 333-333 في البنك المركزي المصري.
دعوة الرئيس إلى الفاسدين والمرتشين والحرامية بالتطهر من خلال الحساب الرقم 333-333 لصالح «النهضة» هي الحلقة الأحدث في مفهوم العدالة الاجتماعية «إخوان ستايل» أو بمنهج جماعة «الإخوان» كما يبدو من الأشهر الثلاثة الأولى من حكمها.
وإذا كانت فكرة التطهر من خلال حساب 333-333 أثارت تساؤلات إجرائية عن طريقة استقبال البنك للمتبرع الفاسد المتطهر، وهل ستكون في انتظاره «زفة» شعبية لزوم الاحتفال بالتوبة، أم حلاق صحة لزوم إجراءات الطهارة، أم «بوكس» (سيارة شرطة) لزوم العقاب. تساؤلات أخرى ثارت عن قنوات إنفاق أموال الطهارة، وهل ستكون لاستعادة «طائر النهضة» المختفي، أم لبناء مساجد، أم لتحقيق برنامج «المئة يوم» الذي سقط بالتقادم.
ولأن مبدأ العدالة الاجتماعية غير قابل للسقوط بالتقادم، فإنه سيبقى شوكة في حلق النظام طالما لم يتحقق بعد، وطالما لم يتم اتخاذ أي خطوات فعلية أو حتى افتراضية لتحقيقه. أيديولوجياً، يمكن القول إن مبدأ العدالة الاجتماعية قائم في فكر «الإخوان» ووفق «إخوان ويكي» وهي النسخة «الإخوانية» من موسوعة «ويكيبيديا»، فإن «الزكاة وهي فريضة مقررة مقدرة وليست صدقة يدفعها الغني متفضلاً، وهي حق للفقراء، فإن لم تكف الزكاة لتوفير تلك الحاجات الضرورية، وجب على من عنده فضل مال أن يرده على الفقراء حتى يستوفوا حاجاتهم، فإن لم يفعلوا أجبرتهم الحكومة على ذلك واتخذت من التشريعات ما يكفل إصلاح حال المجتمع بقدر ظهور الحاجات وبروز الضرورات».
ولأن الحاجات ظاهرة والضرورات بارزة والإجراءات غائبة، فقد لاحظ المراقبون للأوضاع ظواهر عدة يمكن تحليلها في ضوء تفعيل العدالة الاجتماعية كل بطريقته. فهناك من الخطوات الهزلية التي يمكن تصنيفها تحت بند العدالة الاجتماعية ما بعد الحداثية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك مشروع للتوأمة بين المدارس الخاصة والحكومية، وهي توأمة قائمة تحت شعار «الناس لبعضها»، وهذا يعني أنه يتحتم على المدرسة التي تملك كفالة المدرسة التي لا تملك. ووفق وزارة التربية والتعليم، فإن كل مدرسة خاصة ستقوم بتبني مدرسة حكومية مجاورة لها، وذلك بإمدادها معنوياً ومادياً ورفع كفاءتها، وتطوير منشآتها، وتزويدها بالأثاث وغيرها من الحاجات.
توأمة المدارس تسير على خطى «اكفل طفلاً» الذي تطور إلى «اكفل أسرة»، وبعدها مشروع «اكفل قرية» الذي بدأ في عهد النظام السابق بعدما رفعت الدولة يدها عن الفقراء، تاركة إياهم للتبرعات والكفالات على سبيل التوأمة بين الفقراء والأغنياء.
حاجات المواطنين الآنية أيضاً باتت كذلك تعتنق مفهوم التوأمة، وإن كانت تدور بطريقة مختلفة نسبياً. فهناك جهود توأمة إجبارية تبذل يومياً في شوارع العاصمة يقوم من خلالها المواطن المقتدر بدعم توأمه غير المقتدر، شاء أو أبى. سائق الأجرة الذي يقرر أن الـ20 جنيهاً قيمة الرحلة، وفق ما يشير العداد، غير كافية، فيطبق على رقبة الراكب ولا يتركها حتى يستلم جنيهات خمسة إضافية لزوم التوأمة، هو أحد أشكال العدالة الاجتماعية الآنية.
توأمة أخرى تتجذر حالياً أمام ماكينات الصرف الآلي ومحلات الحلويات الراقية وبوتيكات الملبوسات ومراكز التسوق الفاخرة، حيث يتمركز الشحاذون ليلاً ونهاراً لممارسة طقوس الابتزاز المعنوي وأحياناً اللفظي للحصول على حقوقهم الاجتماعية من جيوب غيرهم.
كذلك الحال بالنسبة إلى إغلاق المتاجر في العاشرة مساء، والذي يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية من خلال منع المواطنين من الإنفاق، ومن ثم تقليص أرباح بعض التجار وخراب بيوت بعضهم الآخر، وهو ما يؤدي إلى قطع عيش العاملين لديهم، وهو ما يحقق مبدأ المساواة الاجتماعية بين الجميع.
خضوع الجميع لمبدأ «خذ ده من ده يرتاح ده عن ده» المتبع حالياً بديلاً عن رؤية واضحة لتحقيق عدالة اجتماعية هَرِم الجميع في انتظارها، يعضده شعور عام لدى فئات المجتمع القابعة باتجاه قاعدة الهرم الاجتماعي منذ عقود طويلة بأنه قد آن أوان تحقيق العدالة الاجتماعية بالطول أو بالعرض، بطائر النهضة، أو بحساب التطهر، أو كلٌّ وفق ما يتراءى له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق