محمد
عواد –
بدأت الثورة في تونس ودعمناها وصفقنا لها ، ومن
ثم جاءت الثورة في مصر ونحن ندعمها ونصفق لها ومستعدون لتقديم كل شيء من أجلها ،
ولكن خلال هذه الثورة كرر بعض المشككين ممن يخشون نظرية المؤامرة كلمة - الفوضى
الخلاقة - ، وأنا أعذر هؤلاء بل قد أكون منهم فنحن تشربنا نظرية المؤامرة وسمعنا
هذه الكلمة في الماضي من وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس".
رايس
تكلمت عن الفوضى الخلاقة عام 2006 ورأت فيها شرطاً لخلق شرق أوسط جديد يخلو من
كلمة "عربي" أي تصبح كل دولة عربية مسؤولة عن نفسها فقط ، وكما يرى
الكاتب الأردني حسن أبوهنية فإن أمريكا
ترى بهذه الأداة السياسية وسيلة ضرورية لخلق فوضى في العالم العربي مما يسهل تحقيق
مصالح الولايات المتحدة واسرائيل في المنطقة ، وبدأت هذه الفوضى باحتلال العراق
وتصدير الإرهاب منه وإليه بشكل مستمر بعدها دخل لبنان في فوضى اتهم فيها حزب الله
أو سوريا بسبب استشهاد رفيق الحريري ومنذ ذلك الحين لم يستقر لبنان أو العراق.
وتناوب
مفكرون كثر على وصف الفوضى الخلاقة ، ومن هؤلاء ميكافيلي الذي رأى بأن الاستقرار
يخلق الفوضى التي تخلق الاستقرار بعد ذلك لكنه ربط الفوضى بالحرب وغياب السلام وهي
نظرية أمريكا في الفوضى الخلاقة ، ومما يزيدني يقيناً بأن أمريكا تسير على الخط
الميكافيلي في هذه الفوضى أنه طالب باستخدام الدين لخلق الاستقرار الجديد وهذا ما
فعلته أمريكا في العراق من علماء دين سيطروا على الساحة السياسية في العراق وحتى
في لبنان وكأنهما لم تكونا علمانيتين لفترة طويلة من الزمن.
لكن
بعيداً عن الأراء الفردية يجب الوقوف عند مفهوم نظرية الفوضى في كتب السياسة وهي
أصلاً الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها رايس محاولة تجميلها بكلمة "خلاقة"
كعادة أمريكا "بوش" في التدمير ومنح العمليات أسماء جميلة مثل الوردة
البيضاء للقضاء على الموصل مثلاً، هذه النظرية يتم تعريفها بالشكل الآتي : " فلسفة
سياسية تعمل على تحويل دولة إلى حالة من الفوضى بحيث يتم تدمير أو تقليل سلطة
القانون التي تربط المجتمع الواحد في الدولة ، وتخلق هذه الفوضى حالة جديدة من
النظام وتفرض أمراً واقعاً يكون هدفه الرئيسي عادة إسقاط النظام السابق" ،
وتؤكد جامعة أوكسفورد بأنه ليس هناك طريق واحد للفوضى فمنه السلمي ومنه العنيف.
ويشدد
باحثون ومفكرون في هذا المجال أن قوة الفوضى الخلاقة أنها تنقل العدوى إلى من
حولها ، وأنها تشبه الزلزال عادة الذي له هزات ارتدادية في الدول الذي تشترك مع
دولة المركز بالوضع الاجتماعي أو السياسي أو ربما العرقي واللغوي ، ومن الواضح أن
معظم الدول العربية مهددة بنفس الهزات التي ستخلق ديمقراطيات تأخرت عن العالم أكثر
من 100 سنة!!!.
التاريخ
يقول إنها فوضى خلاقة نظيفة وشريفة:
التاريخ
يقول إن القرن التاسع عشر في أوروبا شهد (10) حركات اجتماعية ثورية متتالية عام 1848
الذي يطلق عليه عام الثورات ، وجاءت كل تلك الحركات الاجتماعية متطابقة مع هذه
النظرية وكان مركز الاستسقاء لهذه الثورات هو الثورة الفرنسية ، وكل تلك الثورات
تحركت بعفوية ولم يكن هناك أمريكا تديرها وهي ثورات لم يكن لها قائد واحد بل قادة
مختلفون ،واستضاء بعضهم ببعض حتى كانت الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 كأحد
أشكال الثورة الخلاقة الجديدة ومن ثم كانت الثورة الإيرانية مع الخوميني وكلها
ثورات ضد مصالح أمريكا ، فالقول بأن نظرية الفوضى حكراً على أمريكا تزوير للتاريخ
وما قامت به رايس من تمويه باستخدام كلمة "خلاقة" لا ينطوي على من له
عقل.
ومن
هنا يجب التذكير بأن ثورة تونس كانت ثورة بالفوضى الخلاقة جاءت نتاج حصاد اجتماعي
طبيعي وليس تدخل أمريكي ولا صهيوني ، بل إنها صدمت الجميع فقد جاءت كرد فعل من أجل
الكرامة والكبرياء التي أهانهما كثيراً النظام المخلوع الذي انتهى برحيل زين
العابدين بن علي، ومن ثم استضاء الشباب في مصر بها وتحركوا في طريقة تشبه تكرار
السيناريو الأوروبي الذي كانت أهم ثوراته في فبراير (شباط) الذي نعيشه هذه الأيام
ألا وهي الثورة الفرنسية التي نعرفها كلنا وغيرت شكل العالم ، هناك الآن ثورة في مصر قد تغير شكل العالم في
نفس الشهر.
ومن
يقول أمريكا وأجندات وكلام من كلام القصص الخيالية التي تدل على الضعف أن يذكر بأنه
هو عميل أمريكا أساساً ، وويكيليكس توضح لنا كم هم حريصون على إخبار أمريكا بكل
شيء عن دولتهم وكـأنها مستعمرة صغيرة ... وعلى الجميع أن يذكر بأن أمريكا عاجزة
تماماً عن تحريك الشارع العربي فهو يعرفها على حقيقتها ويعاديها رغم حلم بعضنا أن
يعيش فيها... يجب أن نؤمن بأن هذا التحرك جاء عفوياً عربياً ضارباً الدكتاتورية
وضارباً أصدقاء أمريكا تماماً كما فعلت الثورة الإيرانية والشيوعية يوماً ما.
تحذير:
أحذر
هنا من القادم بعد الفوضى الخلاقة ، فكل الخشية أن يكون الحكم لأشخاص غير مؤهلين
كما حصل في فرنسا ... لذلك على الشعب المصري أن ينتبه عندما يتجه إلى صناديق
الانتخاب بأن أول صوت له هو أهم صوت في مستقبل مصر ، فيجب القدوم بالنائب المناسب
والحكومة المناسبة والرئيس المناسب.
هذه
ليست فوضى أمريكا:
يؤكد
أكثر من باحث عربي لكن من دون أدلة موثقة بأن مراكز بحثية أمريكية تعمل على تأسيس
فكر الفوضى الخلاقة ، حيث يقال بأن سياسة أمريكا الحالية في هذه الفوضى قائم على
أبحاث مؤرخين أمثال برنارد لويس وفؤاد عجمي وروبرتو ساتلوف ، وترتكز هذه الفلسفة
في منطقتنا على خلق عالم عربي جديد عبر الفوضى الخلاقة لكن باستخدام العنف.
وكانت
أمريكا في الماضي قد استخدمت الفوضى الخلاقة السلمية في أوكرانيا وجورجيا وغيرها
من الدول الأوروبية ، كما أنها حاولت في فنزويلا اتباع نفس الطريقة لكنها فشلت لقوة
شعبية تشافيز ونجحت قبل ذلك في إعادة الشاه إلى إيران مرة وفشلت مرة أخرى مع
الثورة الإسلامية التي قادها الخوميني....لكن في كل الأحوال لم تنجح أمريكا يوماً
بتحريك شارع عربي لعدم ثقته فيها.
أمريكا
وحسب فلسفة المفكرين المذكورين وكلهم داعمون لإسرائيل تعتمد الآن على العنف في
منطقتنا لخلق الفوضى الخلاقة ، فقد اعترفت كونداليزا رايس عام 2006 بأن حرب
إسرائيل على لبنان جزء من الفوضى الخلاقة لكن الحمدلله ردها حزب الله بنجاح ، ثم
جاءت ضربة غزة وتدمير المؤسسات التابعة لحماس فيها وكان من قبل اجتياح الضفة
الغربية وتدمير مؤسسات السلطة ليتم خلق فوضى خلاقة تخدم مصالحهم في المنطقة....ولا
ننسى هنا اغتيال رفيق الحريري الذي أدخل لبنان وسوريا في فوضى خلاقة لم تستقر بعد.
ومن
هنا يجب أن نفرق بين الفوضى الخلاقة في مصر وتونس ، وبين فوضى أمريكا وإسرائيل ،
فهم في منطقتنا يخلقونها بالعنف وليس لهم رجال معروفون بشعبيتهم مثلما كان لديهم
في أوكرانيا وجورجيا ومن المعروف رفضنا كعرب كل ما يأتي من تلك الدول التي يجمعنا
معها تاريخ طويل من العداء والحرب.
ويضاف
إلى ذلك بأن الأنظمة التي ضربتها الثورة الخلاقة باستخدام نظرية الفوضى هي أنظمة
أمريكية بحتة ، تعمل كل ما تريده أمريكا حتى على حساب شعوبها وقتلهم وقمعهم وسجنهم
وإفقارهم...وليس من المنطق إدخال المنطقة بفوضى قد يخرج منها أعداء لمشاريعها وهذا
يخالف فكر الفوضى الأمريكية التي تعمل لمصلحتها ومصلحة إسرائيل وليس مصلحتنا.
وعليه
فليصمت كل من يستخدم هذه المفاهيم ، فالعمق الفكري لها يعطيني سبباً للإطمئنان
بأنها ثورة خلاقة عربية شعبية خالصة تستنسخ بعضها كالثورات الأوروبية ... كما أنني
أحذر كل من يعتقد نفسه بعيداً عنها بأنه حقاً قد يتعرض لها إن لم يقم بإصلاحات
ويتحد مع شعبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق