السبت، 11 يونيو 2011

تحول في مسار مصر

كتب: Wall Street Journal

في عهد مبارك، أقدمت القاهرة على بيع شركات تديرها الدولة وحصدت المليارات على مستوى احتياطي العملات الأجنبية، لكن غالباً ما كانت تلك الأصول تصل إلى أيدي حلفاء الجيش أو الجماعات التي يسيطر عليها، فتم تسريح عدد من العمّال، لكن لم يتحسن وضع السوق مطلقاً بالنسبة إلى المستهلكين.
أقدم صندوق النقد الدولي، على منح قرض بقيمة 3 مليارات دولار إلى الحكومة المصرية الانتقالية، ويأتي ذلك التعهد غداة التزام البنك الدولي بتقديم 4.5 مليارات دولار، فضلاً عن وعد الولايات المتحدة بتقديم إعفاءات ضريبية وضمانات للقروض بقيمة ملياري دولار على الأقل. تعود هذه المبادرات كلها، بحسب قول الرئيس أوباما في الشهر الماضي، إلى أن الطريقة الأساسية من أجل “دعم التغييرات الإيجابية في المنطقة تقضي بأن نبذل قصارى جهدنا لتطوير التنمية الاقتصادية في البلدان التي تشهد عمليات انتقالية تمهيداً لإرساء الديمقراطية”.
طرحت القاهرة الآن ميزانية من شأنها أن تعطي الجهات المانحة لمحة عن نوع التغيير الذي تموّله تلك المبالغ، وتقضي الخطوة الأساسية برفع سقف الدعم على الغذاء والسلع الاستهلاكية بنسبة 26%، علماً أنه كان يشكّل حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً خلال السنوات الأربع الماضية، كذلك، سترفع الحكومة حجم الدعم على قطاع الإسكان بما يفوق الخمسين في المئة، وعلى النفط بنسبة 32%، وعلى معاشات الضمان الاجتماعي بنسبة 71%، وعلى فوائد الرعاية الاجتماعية بنسبة 50%.
تسود قناعة مفادها أن مظاهر “العدالة الاجتماعية” هذه تشكل فترة فاصلة عن حقبة مبارك التي كانت تركّز على مصالح الأعمال. عملياً، يُعتبر شراء رضا المواطنين المستائين عبر تقديم مساعدات سخية غير مسبوقة تكتيكاً يفضّله جميع الحكّام الاستبداديين.
هكذا كان الوضع حتماً في عهد حسني مبارك، على الرغم من بعض المظاهر التي تشير إلى العكس، ففي عهده، أقدمت القاهرة على بيع شركات تديرها الدولة وحصدت المليارات على مستوى احتياطي العملات الأجنبية، لكن غالباً ما كانت تلك الأصول تصل إلى أيدي حلفاء الجيش أو الجماعات التي يسيطر عليها، فتم تسريح عدد من العمّال، لكن لم يتحسن وضع السوق مطلقاً بالنسبة إلى المستهلكين لأن القاهرة تتبع نظاماً مبنياً على حظر بعض الواردات وفرض ضوابط كانت تحمي الأبطال المحليين. وبقيت معدلات الضريبة على الدخل والمؤسسات أقل من المعدلات العالمية، ولا ننسى طريقة فرض الضرائب، إذ يستفحل الفساد بدرجات هائلة.
لكن فرض نظام مبارك أيضاً سيطرته على المؤسسات المصرية عبر توظيف أعداد كبيرة من المسؤولين الإداريين ورجال الشرطة والعاملين في البنى التحتية، وهم يشكلون 35% من اليد العاملة المصرية، ومن المتوقع الآن أن ترتفع أجورهم وفق الميزانية المقبلة.
يتلقى المصريون، الذين لا يتّكلون على الوظائف السهلة التي توفر لهم المدخول، المكافأة المزعومة المتمثلة بالحد الأدنى من الأجور بقيمة 700 جنيه (110 دولارات) في الشهر. لن يفيد رفع أجور اليد العاملة المصرية في تخفيض نسبة البطالة التي تقارب 12% الآن في مصر، حتى أن الحصول على أجر إضافي مقابل الوظيفة نفسها لن يحسّن وضع الموظفين المصريين على المدى الطويل. سيستلزم هذا الأمر زيادة إنتاجية المصريين، ففي تقرير صدر في عام 2009 عن صناعة الأنسجة، لاحظت الغرفة الأميركية للتجارة في مصر أن العامل المصري يحتاج إلى ست أو سبع دقائق لتصنيع قميص عادي، بينما يقوم العامل السريلانكي أو البنغلادشي بالمهمة نفسها خلال أربع دقائق ومقابل أجر أقل.
يصعب إلقاء اللوم على أي طرف إذا طلب كسب مبالغ إضافية، وتحديداً في مصر إذ يبلغ معدل التضخم حوالي 12%، وقد أعلن البنك المركزي قبل أيام أنه سيحافظ على معدل الفائدة بحدود 8.25%، مع توقع تحقيق نمو اقتصادي ضئيل في هذه السنة، لكنّ المصريين لن يحصلوا مطلقاً على نوع الازدهار الذي يريدونه حتى استقرار عملتهم وكسب حرية المتاجرة بها.
تؤدي زيادة الدعم على الغذاء والوقود إلى تراجع فرص تحقيق الازدهار المنشود على المدى القريب، وإلى إفساد مؤشرات الأسعار التي كان يمكن أن تشجع على توزيع الرساميل بطريقة أكثر إنتاجية، وبما أن أي حكومة لا تستطيع إلا التوسل أو الاقتراض أو سرقة هذا الكمّ من الخبز المدعوم، يولّد هذا المنتج الغذائي الأساسي حالات نقص ظاهرية وأسواقاً غير رسمية من شأنها استغلال المستهلكين الذين يريدون أكثر من حصتهم الاعتيادية.
تصرّ الحكومة الموقتة والمجلس العسكري اللذان يديران مصر في الوقت الراهن على أنهما لم يحصلا على تفويض من الشعب لتقليص حجم الدولة، إذ يمكن أن تبرر هذه الحجة أيضاً التوسع الراهن لنفوذ الدولة التي تحضّر لإجراء انتخابات قد يضطر الناخبون فيها إلى الاختيار بين أكثر الحكام الاستبداديين لطفاً.
بغض النظر عن الحكومة التي سينتخبها المصريون في الخريف المقبل، فهم لن يكسبوا حرية تفوق ما كانوا يتمتعون به في السنة الماضية إذا استمروا بالاتكال على ذلك النظام لتأمين خبزهم اليومي، هذه الإصلاحات ليست من النوع الذي يجب أن تدعمه الإعانات الغربية السخية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق