الأربعاء، 20 فبراير 2013

الحكاية وما فيها




بقلم: محمود جبر
      باحث علوم سياسية

عندما يختلف اللصوص تظهر السرقات، وتتكشف معالم الجريمة، والمتورطون فيها، الواحد تلو الآخر، ومن الخطأ التعاطف مع أي من هؤلاء اللصوص لمجرد أنه اعترف على شريكه الذي جار على نصيبه من السرقة.

فإذا كانت جماعة الإخوان المتأسلمين هي الفاعل الرئيسي في الجريمة التي ترتكب بحق مصر منذ 11 فبراير 2011، من إجهاض للثورة، وتحويل مسارها لخدمة جماعة بعينها بصرف النظر عن مصالح مصر، فإن جميع من يمثل تيار الإسلام السياسي وعلى رأسهم حزب النور شارك في تلك الجريمة؛ فقد تحالفوا مع الجماعة ضد مصالح الشعب المصري لينفذوا مخططهم في اعتلاء كرسي السلطة، وتحقيق مشروع الدولة الإسلامية متسترين خلف دين الله، لذا لا يجب التعاطف معهم الآن على خلفية خلافهم مع الجماعة؛ فأساس اتفاقهم واختلافهم هو مصالح ذاتية، وشهوة السلطة التي أعمتهم عن رؤية مصلحة البلاد العليا، بمعنى أن الخلاف بينهم تكتيكي وقتي وليس استراتيجي مبدئي.

إن حزب النور السلفي اليوم يتحدث صراحة عن خطايا نظام المرشد، ويصول ويجول في سرد زيف وخداع جماعة الإخوان المتأسلمين، ويصور المشهد كما لو أن الجماعة قد غررت به وسقته حاجة أصفره، وأن تأييده لنظام المرشد كان من باب حب الله والوطن، وأنه لم يدرك حجم الجرائم التي يرتكبها الإخوان المتأسلمين إلا حين اختلفت المصالح، وزادت هوة الخلاف إلى حد الضرب تحت الحزام، وكأنه من المفروض أن يقتنع المصريون بهذا المنطق، ويصفقون ويهللون لهذا الحزب الذي رفض التآمر على مصالح الوطن والشعب، وقرر أن يقاوم الفساد ويكشفه!!!!!!!!!

وتناسى هؤلاء أنهم حتى أيام قليلة كانوا يبررون ويدافعون عن نظام حكم المرشد، ويسوقون لسياساته الفاسدة، بل ويصبغون عليها القداسة الدينية، رغم دم الشهداء من أبناء الشعب المصري الذي يراق كل يوم في كل ربوع مصر، ورغم حالة الانهيار التي وصل لها الاقتصاد المصري، ورغم تردي الحالة المعيشية للمواطن الفقير والبسيط، وأخونة مفاصل الدولة، والتصالح مع رموز النظام السابق مقابل أن يستولي سماسرة وتجار الإخوان على نصيب الأسد من أموال الشعب التي نهبها هؤلاء، ورغم حالة السخط التي تنتشر كالنار في الهشيم في كل مصر، والتي تهدد بقاء الدولة ذاته، ورغم العلاقات الخارجية المشبوهة لنظام المرشد العام وعلى رأسها العلاقات مع الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية وذنبها في المنطقة العربية دويلة قطر، ورغم الكثير والكثير كان الدعم والتبرير الحماسي من قبل حزب النور السلفي لكل ذلك قائم على ما وعد به من نصيب في غنيمة مصر المنهوبة .. ولا عزاء لمصلحة الوطن والثورة.

أما وقد تغير الحال –وسبحان مغير الأحوال- وخيل لنظام المرشد أنه بات قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مخطط التمكين الشيطاني وسرقة الوطن، تنكر الإخوان - كعادتهم – لكل حلفائهم؛ بل والأكثر من ذلك سعوا إلى إضعافهم، وتفتيت وحدتهم كما فعلوا وشقوا صف الثوار بعد خلع مبارك في فبراير 2011، ورغبة منهم في أن يثبتوا لولي نعمتهم وراعيتهم الولايات المتحدة الأمريكية بأنهم يسيطرون تماماً على مقدرات الأمور في مصر بمفردهم، خططوا لتفريغ الساحة السياسية من كل القوى المنافسة، وبدءوا بأقوى المنافسين وهو حزب النور، الذي هو بلا شك عقبة في طريق تحقيق الإخوان لمخطط التمكين، لأنهم يضغطون عليهم بمسألة تطبيق الشريعة بالمفهوم السلفي لها، وهو ما لا يستطيع الإخوان فعله لسببين رئيسيين:
الأول: أنه ليس في مخططهم، وربما ضده، وأن تظاهرهم بالرغبة في ذلك في الماضي هو مجرد لعب على وتر المشاعر الدينية للمصريين البسطاء، ومطية لكسب أصواتهم الانتخابية للوصول للسلطة.
الثاني: حتى لا يثيروا مشاعر الخارج ضدهم، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية التي يدرك الإخوان المتأسلمين أهدافها من التعاون معها، والتي تتلخص في كبح جماح مثل تلك القوى السلفية وغيرها، من باب محاربة الفكرة بالفكرة، وهو دور لعبته الجماعة من قبل ومازالت تلعبه لصالح الرأسمالية العالمية.

          وفي هذا الإطار، نرصد مراوغات جماعة الإخوان للسلفيين عند وضع الدستور، ثم في تقسيم حصص المناصب والوظائف العليا في الدولة، وبعد أن تم إقرار الدستور كما رغب نظام المرشد، ونظراً لسعار السلطة الذي يسيطر على الإخوان ظنوا –خطأً- أنهم استنفذوا حاجتهم من السلفيين، وقرروا ضربهم تحت الحزام، تمهيدا لإضعافهم قبل الانتخابات البرلمانية القادمة باعتبارهم منافسا قوياً لما يملكوا من موارد مادية وبشرية ضخمة، ويعملوا على نفس الأرضية الشعبية لادعائهم الانتساب للدين؛ فشاهدنا الانقسامات داخل حزب النور، وخروج مجموعة من أعضائه لتشكيل حزب جديد باسم "الوطن" بمباركة من جماعة الإخوان، ثم الدعم والتحفيز الإخواني لحازم أبو إسماعيل لإنشاء حزب سياسي سلفي آخر، وهذا نهج يتفق وأسلوب جماعة الإخوان المسلمين في استخدامهم الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة .. الأخلاقية واللا أخلاقية في إقصاء منافسيهم، وهو ما حذر منه الثوار ولا زالوا.

وفي الوقت الذي اشتدت فيه ضربات الإخوان للسلفيين، كانت سياسات الإخوان التي تحركها شهوة احتكار السلطة قد فجرت موجات من الغضب ضد نظام حكم المرشد، بدءً من الرفض الشعبي الواسع والقوي للإعلان الديكتاتوري المكبل لسلطات الدولة والمسمى زيفاً الإعلان الدستوري المكمل الصادر في الثاني والعشرين من نوفمبر 2012، والذي جعل من مندوب مكتب الإرشاد في الاتحادية محمد مرسي الحاكم بأمره في مصر، في سابقة تاريخية لم تحدث على مدار تاريخ مصر الحديثة، مروراً بالانتهاكات الجسيمة التي شابت عملية الاستفتاء على الدستور، ومحاولة السيطرة على السلطة القضائية، وإلغاء دولة القانون والمؤسسات لتحل محلها دولة المرشد، وصولاً إلى موجة الغضب الشعبي الحالية ضد تنكيل نظام الإخوان بمعارضيه، وقتله للثوار وسحلهم في الشوارع بما فاق بشاعة نظام مبارك.

 وبتوالي انتهاك نظام المرشد لكافة الخطوط الحمراء لمبادئ الثورة والوطنية المصرية، كان لابد أن يتحرك ضمير هذا الوطن، وحماته الحقيقيين من القوي الثورية .. النواة الحقيقية لثورة 25 يناير 2011، والتي لم تستطع سياسات الإخوان وتحالفاتهم النيل منها؛ سواء بالترغيب أو الترهيب، وأكد شباب هذه القوى الطاهر النقي أنه على استعداد لتقديم المزيد من أرواحه ودمائه وآلامه ومعاناته من أجل هذا الوطن الغالي والعزيز، وأثبتت تطورات الأحداث أن تلك القوى الثورية هي الضمير الحي للثورة المصرية الذي يصرخ في وجه كل من خان وفسد، و أنها كتلة حيوية ومؤثرة في الشارع قادرة على مقاومة كل من باع وتآمر، ورأى العالم أجمع كيف أن شباب مصر الثائر قادر على عرقلة مخطط الإخوان في أخونة الدولة وسرقة الثورة، وكيف أن حركة الشارع المصري المنتفض ضد حكم المرشد تكسب كل يوم زخما أكثر مما قبل.

وبفضل سياسات الجماعة الغبية والفاشلة، والتي تفتقد لأبسط قواعد الحنكة السياسية، صارت الجماعة في جانب وكافة أطياف العمل السياسي والثوري في جهة أخرى بما فيها بعض ممن يحسبون على تيار الإسلام السياسي، ولم يبق بجانبهم سوى من يدركون أن سقوط حكم المرشد يعني نهاية مروعة لهم، وأعني بهؤلاء تحديداً من يؤمنون بمنهج العنف ومارسوه من قبل مثل حزب البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية التي تورطت في قتل السادات، ومارست العنف على نطاق واسع في الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي. وهؤلاء لا أرضية مؤثرة لهم في الشارع المصري كالتي يحظى بها السلفيون مثلاً.

في هذا المناخ السياسي المحتقن، صار طرف من أطراف اللعبة السياسية يناور للضغط على الآخر للحصول على أكبر قدر من المكاسب بما فيهم عدد من القوى السياسية التي تنتمي لجبهة الإنقاذ التي تمثل المعارضة الليبرالية والوطنية لحكم المرشد وسياسات جماعة الإخوان المتأسلمين.

وفي سياق كهذا، يجب أن يفهم موقف حزب النور السلفي من جماعة الإخوان المتأسلمين، وتقاربهم من جبهة الإنقاذ، والدور الذي يلعبه الحزب فيما يسمى بمحاولة إحداث توافق على الساحة السياسية المصرية. فالمسألة لا تتعلق بالنوايا يا سادة بقدر ما تتعلق بالمصالح والمكسب والخسارة، والصراعات السياسية ولعبة عض الأصابع، ولذلك فهناك خطوط حمراء لا يمكن أن يتعداها حزب النور مهما بلغت خصومته مع الإخوان المسلمين ألا وهو حماية ودعم نظام حكم المرشد، وجل ما يريده هو تحسين وضع الحزب والتيار السلفي ومطالبه لدى ذلك النظام.

لذلك على القوى الثورية الحقيقية، خاصة تلك التي تعمل في الشارع المصري وسط المواطنين، والذين لا يمثلون أي طيف سياسي، ويمثلون فقط الثورة المصرية .. هؤلاء الذين لا طموح سياسي لهم –على الأقل في الوقت الراهن- وجل همهم هو تحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011، عليهم إدراك أن موقف حزب النور تكتيكياً وليس استراتيجياً، وأنه مناورة سياسية تدخل في إطار لعبة الصراع على الغنائم بين السلفيين والإخوان، فلا تركنوا لهذا الموقف ولا تعولوا عليه كثيراً، وبنفس المنطق عدد من القوى السياسية التي تنتمي لجبهة الإنقاذ مواقفها تكتيكية لا يجب التعويل عليها كثيراً، والذي يجب أن يعول عليه حالياً هو الشارع المصري فقط لا غير .. الشعب هو صاحب الاختصاص والمصلحة الأولى والأخيرة في هذا الوطن، لن يساوم أو يفاوض على مستقبل وطنه وأبنائه، وتلك التضحيات التي يقدمها المصريون من دماء شبابهم، وقوت أبنائهم، وأمن بيوتهم وشارعهم هي الأمل والرقم الصعب الذي يجب أن تعمل عليه القوى الثورية الحقيقية.   
عاشت مصر للمصريين .. والثورة مستمرة ومنتصرة
                                                  والمجد للشهداء


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق