الأحد، 14 أكتوبر 2012

أصل الحكاية



أصل الحكاية

كان الإسلام في مصر بعد أن فتحها الغزو العربي (بمرور الوقت) قد تمصر ، و مع قيام الدولة الحديثة على يد محمد على أخذ صبغة تسامحية هائلة ، فكنت تجد الجميع متعايشاً ، محبو أهل البيت إلى جوار المتصوفة ، إلى جوار عباد الأضرحة من البسطاء ، إلى جوار أهل السنة ، إلى جوار الأقباط ، إلى جوار اليهود ، إلى جوار ملل و نحل و أعراق متعددة وجدت في مصر جاذباً للهجرة إليها و اكتساب جنسيتها ، هرباً من مواطن فقيرة أو استبدادية،  وانتهى كل هذا بداية من هزيمة المشروع القومي الناصري المروعة خاصة في 1967 ، و سقوطه اقتصادياً و فشله في تحقيق كثير من أهدافه المعلنة ، فلم يحقق لا عدل اجتماعي و لا مساواة و لا تنمية ، و لا هو ترك البلاد على حالها الأول تسير مسيرها الطبيعي نحو التطور الديمقراطي.
أدى ذلك لظهور بديل أصطلح على تسميته صحوة إسلامية جاءت بإسلام صحراوي وهابي جاف قاس ، و هو ما لا تعرفه بلاد الخصب و الوفرة في الوديان الخضراء ، تم غزو البداوة لبلاد الخصب مرة أخرى، وارتكس المصريون مع إعادة فتح مصر وهابياً هذه المرة ، و ارتدوا إلى ما قبل زمن مينا موحد القطرين.
عاد المصريون إلى ما قبل أربعة عشر ألف عام إلى الوراء من تاريخهم في بلادهم ، عاد المصري قبلياً بدويا لا فلاحاً يرتبط بالأرض منتجاً مبهجاً ، و أصبح يعرف نفسه بأنه ابن الحتة و ابن القبيلة و ابن الناحية ، يترك أرضة ويرتحل لأن أرض اللة واسعة فيهاجر فيها ، منطق بدوى كان هو عيبة العار ذاتها ونفسة ، ترددها الملحمة الشعبية (عواد باع أرضة ياولاد *** شوفوا طولة وعرضة ياولاد)، و هي كلها مستجدات على دولتنا الحديثة لم تعرفها مصر القرن العشرين ، ولا قبل العشرين.

أصبح كل مواطن قبيلة وحده ، لا يشغله ما يحدث على الأرض في بلاده ، فالقبيلة لا تعرف شيئاً اسمه (وطن)، لا يشغله سوى نفسه و مصالحه فقط ، مما أدى لما نراه في الشارع من تفشي كل الأوبئة الاجتماعية العلنية رشوة و فساداً يمارس في بلادنا كاعتياد هو الأصل في الأخلاق و ليس الاستثناء ، حتى أصبح الباطل و الكذب و الخداع و السرقة هي العملة المتفق عليها ، هي القاعدة ، أما الشرف و عفة اليد و سلامة الضمير ، فهي عملة جيدة نعم لكنها الاستثناء ، لإنها مؤرقة و مزعجة ، في وطن يتهاوى يعمل فيه كل مواطن بالمثل الشعبي : ” إن وقع بيت أبوك إلحق خدلك منه قالب”.

إن هذا الانهيار المفزع ليس إلا نتيجة طبيعية للعودة إلى نظام القبيلة البدائي ، و التعصب للعنصر و القبيلة و الدين و المذهب و الأيديولوجيا ، بينما ضاع الجامع الشامل لكل هذه الألوان و الأطياف مللاً و نحلاً و عناصر و أعراق ، جامعنا المقدس الحقيقي الذي يحوينا جميعاً و يقبل بنا جميعاً في محرابه على التساوي بذات القدر و القيمة هو ماضاع منا.. . ، ضاع الوطن. . .ضاع طين الأرض بعدما هجرها الفلاح إلى المدينة أوإلى بلاد ابن عبد الوهاب ، وضاع عندما فقدت الأرض الطهور قدسيتها فقمنا نبني على ثراها الممتلىء خيرا وطهرا حجرا واسمنتا شائها قبيحا …. ضاعت المواطنة الجامعة ..
                                                                                            د. سيد القمني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق