أصل الحكاية
كان الإسلام في مصر بعد أن فتحها الغزو العربي (بمرور
الوقت) قد تمصر ، و مع قيام الدولة الحديثة على يد محمد على أخذ صبغة تسامحية
هائلة ، فكنت تجد الجميع متعايشاً ، محبو أهل البيت إلى جوار المتصوفة ، إلى جوار
عباد الأضرحة من البسطاء ، إلى جوار أهل السنة ، إلى جوار الأقباط ، إلى جوار
اليهود ، إلى جوار ملل و نحل و أعراق متعددة وجدت في مصر جاذباً للهجرة إليها و
اكتساب جنسيتها ، هرباً من مواطن فقيرة أو استبدادية، وانتهى كل هذا بداية من هزيمة المشروع القومي
الناصري المروعة خاصة في 1967 ، و سقوطه اقتصادياً و فشله في تحقيق كثير من أهدافه
المعلنة ، فلم يحقق لا عدل اجتماعي و لا مساواة و لا تنمية ، و لا هو ترك البلاد
على حالها الأول تسير مسيرها الطبيعي نحو التطور الديمقراطي.
أدى ذلك لظهور بديل أصطلح على تسميته صحوة إسلامية جاءت بإسلام
صحراوي وهابي جاف قاس ، و هو ما لا تعرفه بلاد الخصب و الوفرة في الوديان الخضراء
، تم غزو البداوة لبلاد الخصب مرة أخرى، وارتكس المصريون مع إعادة فتح مصر وهابياً
هذه المرة ، و ارتدوا إلى ما قبل زمن مينا موحد القطرين.
عاد المصريون إلى ما قبل أربعة عشر ألف عام إلى الوراء
من تاريخهم في بلادهم ، عاد المصري قبلياً بدويا لا فلاحاً يرتبط بالأرض منتجاً مبهجاً
، و أصبح يعرف نفسه بأنه ابن الحتة و ابن القبيلة و ابن الناحية ، يترك أرضة
ويرتحل لأن أرض اللة واسعة فيهاجر فيها ، منطق بدوى كان هو عيبة العار ذاتها ونفسة
، ترددها الملحمة الشعبية (عواد باع أرضة ياولاد *** شوفوا طولة وعرضة ياولاد)، و
هي كلها مستجدات على دولتنا الحديثة لم تعرفها مصر القرن العشرين ، ولا قبل
العشرين.
أصبح
كل مواطن قبيلة وحده ، لا يشغله ما يحدث على الأرض في بلاده ، فالقبيلة لا تعرف
شيئاً اسمه (وطن)، لا يشغله سوى نفسه و مصالحه فقط ، مما أدى لما نراه في الشارع
من تفشي كل الأوبئة الاجتماعية العلنية رشوة و فساداً يمارس في بلادنا كاعتياد هو
الأصل في الأخلاق و ليس الاستثناء ، حتى أصبح الباطل و الكذب و الخداع و السرقة هي
العملة المتفق عليها ، هي القاعدة ، أما الشرف و عفة اليد و سلامة الضمير ، فهي
عملة جيدة نعم لكنها الاستثناء ، لإنها مؤرقة و مزعجة ، في وطن يتهاوى يعمل فيه كل
مواطن بالمثل الشعبي : ” إن وقع بيت أبوك إلحق خدلك منه قالب”.
إن
هذا الانهيار المفزع ليس إلا نتيجة طبيعية للعودة إلى نظام القبيلة البدائي ، و
التعصب للعنصر و القبيلة و الدين و المذهب و الأيديولوجيا ، بينما ضاع الجامع
الشامل لكل هذه الألوان و الأطياف مللاً و نحلاً و عناصر و أعراق ، جامعنا المقدس
الحقيقي الذي يحوينا جميعاً و يقبل بنا جميعاً في محرابه على التساوي بذات القدر و
القيمة هو ماضاع منا.. . ، ضاع الوطن. . .ضاع طين الأرض بعدما هجرها الفلاح إلى
المدينة أوإلى بلاد ابن عبد الوهاب ، وضاع عندما فقدت الأرض الطهور قدسيتها فقمنا
نبني على ثراها الممتلىء خيرا وطهرا حجرا واسمنتا شائها قبيحا …. ضاعت المواطنة
الجامعة ..
د. سيد القمني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق