الخميس، 29 سبتمبر 2011

نداء لكل أحرار مصر


اتجمعوا / محمود جبر
....
اتجمعوا .. اتوحدوا
شبكوا الأيادي
اتقدموا
...

زلزلوا الأرض
تحت رجلين الديابة
رجعوا الأمل لقلوب الغلابة

انزلوا تاني الميدان
ارفعوا صوت الجرس ويا الآدان
احضنوا فيه الأمان
فكرونا باللي كان

إرووا زرعة يناير
قبل ما تموت البشاير
وبلغوا كل ثاير
إنه آن الآوان

نكمل المشوار
ونصحح المسار
ونسترد الأمانة
من أيد عالم جبانة
بتخطط للخيانة
والركة ع الثوار

الخميس، 15 سبتمبر 2011

يعيش المجلس العسكري

جوزيف مسعد

يعبّر الكثير من المصريين عن مخاوفهم من استخدام المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم (وسنشير إليه في هذا المقال باسمه الشائع وهو «المجلس العسكري») للخطاب السياسي ذاته الذي كان يستخدمه نظام حسني مبارك في السابق، على الرغم من ادعاء المجلس بأنّه يحافظ على «الحياد» بين القوى «الشعبية» المختلفة؛ وهو «حياد» قد فشل المجلس في البرهنة عليه، على جميع الجبهات.
وقد ردّ المصريون الذين يريدون تحويل انتفاضتهم إلى ثورة حقيقية على المجلس العسكري الحاكم، عبر إعادة تعريف هوية القوات المسلحة. فإذا كانت الدعوة الشهيرة للانتفاضة المناهضة لمبارك قد نادت بالجيش للوقوف مع الشعب ضد النظام، فإنّ الدعوة الحالية تفصل ما بين المجلس العسكري ومؤسسة الجيش بدهاء، فيستمر المنتفضون باعتبار أركان الجيش معهم ومع الثورة، فيما باتوا يعتبرون المجلس العسكري خصماً سياسياً، يسعى الى الحفاظ على نظام مبارك مع بعض الإصلاحات، وإن كان من دون مبارك.

الجيش والثورة

لقد بدأت الانشقاقات بين «الجيش» والمتظاهرين حتى قبل سقوط الرئيس مبارك، عندما تسلل جنود تابعون للجيش بين المتظاهرين، وقد قيل لنا في حينها إنّهم ليسوا جنوداً، بل أشخاص مجهولون، على الأرجح أفراد من أمن الدولة العصاباتي التابع لمبارك، الذي زُعم أنّهم قاموا بـ«سرقة» وارتداء الزي العسكري للجيش. وقد تأكد لاحقاً أنّ ضباط الجيش قد قاموا باعتقال وتعذيب المتظاهرين، بما في ذلك إخضاع المعتقلات لفحوص «عذرية» مهينة ومشينة. ويطالب المتظاهرون الجيش بالكف عن محاكمة جميع مَن اعتقل من المدنيين، منذ بدء الانتفاضة في محاكم عسكرية بدلاً من محاكم مدنية، ويطالبون الجيش أيضاً بالتوقف الفوري عن استخدام التعذيب.
على الرغم من ذلك، أصر معظم الثوريين المصريين (ولكن ليس كلّهم) على تجاهل تعاطي الجيش بذلك الشكل معهم ــــ تم التحقق من ذلك أيضاً من قبل جماعات دولية لحقوق الإنسان ــــ لمصلحة الحفاظ على التضامن معه، وخصوصاً أنّ كبار القادة العسكريين كانوا في البداية قد استخدموا لغة عدم التدخل و«الحياد» بين نظام ديكتاتوري فاسد، رأسه عضو من بين صفوفهم لمدة 30 عاماً، وبين الشعب المصري. وكانت قيادة الجيش، في الواقع، قد ادعت منذ سقوط نظام الرئيس مبارك بأنّ الجيش كان الطرف الذي «حمى» ولا يزال «يحمي» الثورة.
ويترأس المجلس العسكري المكوّن من تسعة عشر عضواً وزير الدفاع السابق تحت حكم مبارك، المشير محمد حسين طنطاوي، الذي، جنباً إلى جنب مع رئيس أركان الجيش المصري سامي عنان، كان قد أمضى الجزء الأكبر من الأيام الثمانية عشر للانتفاضة في كانون الثاني/ يناير الماضي في واشنطن يحضر «اجتماعات» مع مسؤولين أميركيين (كان عنان موجوداً في الولايات المتحدة قبل اندلاع الانتفاضة وانضم إليه طنطاوي بعد اندلاعها). وقد أعلن طنطاوي باستمرار أنّ المجلس العسكري سيبقى في السلطة فقط لفترة انتقالية حتى تنتهي كل الاستعدادات، السياسية والقانونية والدستورية، لإجراء الانتخابات الديموقراطية المزمع عقدها، وأنّ حكومة مدنية هي التي ستقوم بتلك الاستعدادات، تحت رعاية وحسب تعليمات المجلس العسكري.
وبينما قام المتظاهرون الثوريون بإطاحة الحكومة الأولى، التي أبقاها المجلس العسكري بعد سقوط مبارك، وبايعوا عصام شرف كرئيس وزراء «نزيه» يقف مع الشعب، فإنّ أداء شرف في الأشهر الأربعة الماضية أفقده الكثير من المصداقية لديهم، وكان ذلك نتيجة رفضه التصدي لأوامر المجلس العسكري، الذي يرفض السماح بتغييرات جذرية من شأنها أن تحدث تغييراً حقيقياً لنظام الحكم في البلاد.
وهكذا، لم يكف شرف عن تعيين وزراء ومحافظين في حكومته كانوا قد خدموا نظام مبارك سابقاً. ويشمل ذلك عدداً من الوزراء الذين عيّنهم أخيراً في حكومته الثانية ــــ رغم أنّ أيّاً من الأخيرين لم يكن عضواً في الحزب الوطني الديموقراطي المنحل الذي حكم البلاد في عهد مبارك ــــ وكان تعديله الوزاري ناجماً أصلاً عن ضغوط المتظاهرين الذين بدأوا اعتصاماً مفتوحاً في ميدان التحرير منذ ٨ تموز/ يوليو. وعمد شرف الى تعيين محافظين جدد في ١١ محافظة، وقد تولى المنصب في عدّة محافظات لواءات في الجيش والشرطة، جاء في مقدمهم اللواء طارق المهدي، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى المنصب في محافظة الوادي الجديد، وعين أيضاً الدكتور أسامة الفولي، على الرغم من أنّه أحد قادة الحزب الوطني المنحل، محافظاً للإسكندرية، واللواء إيهاب فاروق، وكان وكيلاً لوزارة السياحة لما يقرب من عشر سنوات، نائباً له. وفي أثناء ذلك، واصل الجيش ووزارة داخلية شرف التهجم على المتظاهرين، من دون كلل.

احتواء المجلس العسكري

في غضون ذلك، واصلت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومعهما دولة الإمارات العربية المتحدة، كشريك تابع لكليهما، الضغط على المجلس العسكري لمنع محاكمة مبارك، ولوضع العقبات أمام محاكمة العديد من أعوان نظامه الفاسد، على الرغم من الحماسة التي أبدتها بعض الجهات في النظام القضائي المصري بملاحقتهم واتهامهم بالعديد من الجرائم الجنائية، فضلاً عن جرائم الفساد. وقد منحت السعودية أربعة مليارات دولار للمجلس العسكري، فيما قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة حزمة من ثلاثة مليارات دولار كمنح وقروض، لتقديم يد العون لجهود المجلس العسكري الذي قرر، تحت ضغط المتظاهرين، رفض مبلغ بالقيمة ذاتها قدمه صندوق النقد الدولي المكروه، مصرياً وعالمياً، على المستوى الشعبي. في حين لم تكن مصر مبارك لتقول «لا» لصندوق النقد الدولي المتنفذ، الذي، بالتعاون مع البنك الدولي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، قد عاث فساداً بفقراء مصر لأكثر من ثلاثة عقود ونصف، يتم منح مصر اليوم فسحة أكبر من جانب حكومة الولايات المتحدة، التي ترى أنّ مصر دولة مواجهة مركزية مع الجماهير الثورية المعبأة في العالم العربي. وكانت الولايات المتحدة قد قدمت تنازلات لكوريا الجنوبية وتايوان، في الخمسينيات والستينيات، سمحت بتنمية رأسمالية وطنية مستقلة لا ينافسها ويقيّدها رأس المال الإمبريالي. وقد قدمت تلك التنازلات، التي رفضت الولايات المتحدة تقديمها لباقي دول «العالم الثالث» مجتمعة، كي يتسنى لاقتصادات كوريا الجنوبية وتايوان تقديم نموذج أكثر ازدهاراً من جيرانهم الشيوعيين، وبالتالي ضمان أنهما لن «تسقطا في براثن» الشيوعية العالمية.
وقد أسفرت المحاولات التي قامت بها دول أخرى في «العالم الثالث» في الفترة ذاتها، لمنع تغلغل رأس المال الإمبريالي في اقتصاداتها الوطنية، عن انقلابات عسكرية رعتها ودبرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وفي حالات أخرى عن غزو واجتياح الولايات المتحدة للبلاد التي تحدّت إرادتها. ثمة منطق مماثل يعمل هنا. فما دفع الولايات المتحدة لمنح مصر هذا الإعفاء الخاص من الانصياع لأوامرها وأوامر مؤسساتها المالية هو الخوف الأميركي من تحوّل الانتفاضة المصرية إلى ثورة جامحة، من شأنها أن تصبح منارة للشعوب العربية المجاورة في ثورتها على أنظمتها. فذلك التنازل الاستراتيجي هو ما سمح لأموال دولة الإمارات بأن تقدم كبديل لقروض صندوق النقد الدولي.

استخدام أساليب مبارك

ويقال إنّ هذا المال، والوعود بالمزيد من الأموال، وتواصل الدعم الأميركي للمجلس العسكري، لمقاومة التغيير ورفض مطالب الثوار، هو ما شجع أعضاء المجلس على استخدام أساليب مبارك السياسية ذاتها، من دون حرج، في نزع الشرعية عن المعارضة، من أجل وقف موجة المطالب المتزايدة لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية.
فبينما يُوصف الصحافيون المصريون، المعروفون بمهنيتهم، ومعهم شخصيات المعارضة، بـ«المخربين» والعناصر «الدخيلة»، يُنْعَت الثوار المعتصمون في ميدان التحرير بأنّهم ليسوا «الثوار أنفسهم» الذين قادوا الانتفاضة ضد مبارك، بل على أنّهم عملاء لجهات أجنبية وعصابات من «البلطجية» ــــ وهو التعبير المستخدم لوصف بلطجية مبارك الذين هاجموا المتظاهرين في ميدان التحرير، قبل سقوط الطاغية. ولا يختلف ذلك عن الخطاب الذي استخدمه مبارك، عندما وصف المتظاهرين في مرحلة ما بعد ٢٨ كانون الثاني/ يناير بأنّهم «دخلاء»، وأنّهم ليسوا المتظاهرين «أنفسهم» الذين نظموا التظاهرات الأولى، في ٢٥ كانون الثاني/ يناير.
وقد وصف أحد أعضاء المجلس العسكري بالفعل العصابات التي هاجمت المتظاهرين بحي العباسية في القاهرة (وقد توفي أخيراً أحد المصابين في تلك الأحداث، محمد محسن أحمد، عن ٢٣ عاماً متأثراً بجراحه، وكان أحمد عضو ائتلاف شباب الثورة بأسوان، وكانت مستشفيات عدّة قد رفضت استقباله أو إسعافه، ما عجل بموته) بـ«اللجان الشعبية» التي لم يكن أحد قد سمع بها قبل إعلانه. أما المشير طنطاوي نفسه، فقد وصف تلك العصابات بأنّها «الشعب» المصري بذاته الذي قام بمنع المتظاهرين «الدخلاء» من الوصول الى وزارة الدفاع، من دون أي تدخل من جانب المجلس العسكري، على الرغم من أنّ جنود الجيش كانوا متمركزين داخل الحي، وعمدوا الى عرقلة المسيرة، ناشرين الأسلاك الشائكة وسط الطريق، ووقفوا يتابعون هجوم العصابات المسلحة على المتظاهرين العزل، من دون أن يحركوا ساكناً.
ولكن الوقائع تناقض وصف طنطاوي الذي يجافي الحقيقة، ولا سيما التحقيق الذي قام به الصحافي المصري يسري فوده، مقدم برنامج «آخر كلام» التلفزيوني ذي الشعبية الكبيرة. وكشف فودة أنّ واحداً من قادة عصابات العباسية لم يكن في الواقع من العباسية، بل من عين شمس، وأنّه كان عضواً في الحرس الجمهوري التابع لمبارك، ويشارك بانتظام في التظاهرات المؤيدة للرئيس المخلوع، والمجلس العسكري، في ميدان روكسي، وحتى أنّه قد ألف أغنية تمتدح الديكتاتور.

استعادة الشوفينية المصرية المعادية للعرب

عدا عن تلك التطورات، ركزت جهود المجلس العسكري لنزع الشرعية على ما تعتبره الحلقة الأضعف، وذلك من خلال استهدافها لشاعر مصري فلسطيني مؤيد للثورة. ويطمح المجلس بفعلته تلك إلى نزع الشرعية عن المتظاهرين باعتبارهم «أجانب»، وبالتأكيد، في الوقت ذاته، على العزل الساداتي ــــ المباركي لمصر عن محيطها العربي، على الرغم من أنّ الانتفاضة سعت إلى إعادة دمج مصر في العالم العربي الذي تنتمي إليه. وقد عمد اللواء حسن الرويني، وهو عضو في المجلس العسكري، وقائد المنطقة العسكرية الوسطى، الى استهداف تميم البرغوثي على شاشات التلفزيون المحلية، والبرغوثي، وهو نجل الروائية المصرية البارزة، وأستاذة الأدب رضوى عاشور، ولد ونشأ في مصر. وكان الرويني قد شاهد البرغوثي يتحدث في لقاء تلفزيوني مؤيداً للثورة، ووصف الشاعر بأنّه شخص «بيتكلم بلهجة غريبة، واسمه اسم غريب وشكله مش شكل المصريين». في الواقع، يتحدث البرغوثي (وهو نجل الكاتب والشاعر الفلسطيني البارز مريد البرغوثي) باللهجة المصرية التي نشأ عليها من دون أدنى لكنة «أجنبية».
عندما أوضح مقدم البرنامج هوية الشاعر للرويني، عمد الأخير الى مهاجمة هويته الفلسطينية بكمّ من الشوفينية المصرية، الساداتية ــــ المباركية الكارهة للعرب، تجعل المرء يعتقد أنّ مبارك لا يزال على رأس السلطة. وأعلن الرويني أنّ «اللي بيعمل الوفاق الوطني للفلسطينيين مصري... أنا مش مستني، مصر ما نضبتش، اللي فيها ٨٦ مليون مصري... مصر فيها ناس عظام...». من الواضح أنّ ما أغضب الرويني هو أنّ مصرياً ــــ فلسطينياً «تدخل» في الشؤون المصرية (وهذا بالطبع بخلاف تدخل مبارك وعمر سليمان السافر في شؤون الفلسطينيين، والتآمر عليهم الذي لم يبعث إلا الطمأنينة في قلب الشعب الفلسطيني!)، وهو غضب لم يعرب عنه الرويني إزاء الإدلاءات الأميركية المتواصلة عن مصر، فضلاً عن تدخل الولايات المتحدة الفعلي في شؤون البلاد.

يبدو للمرء أنّ بث أحد أعضاء المجلس العسكري لتلك السموم المعادية والمحتقرة للفلسطينيين والمناهضة للعرب قد يؤدي إلى فصله الفوري من المجلس، أو حتى إلى إجباره على المثول أمام محكمة عسكرية بتهمة إثارة الكراهية بين المصريين ضد العرب والفلسطينيين، وحثّ المصريين للبقاء على شوفينية وانعزالية مصرية ساداتية، تفصلهم عن محيطهم العربي، وهي دعوة يمكن أن ينظر إليها على أنّها تهدد الوحدة الوطنية المصرية والتضامن الوطني والقومي، إن لم تهدد الأمن القومي للبلاد أيضاً. إلا أنّ أيّاً من زملائه في المجلس لم ينتقده علناً على تصريحاته. ولم تعترض بالطبع أيّ جهة فلسطينية رسمية على تحقير الرويني للشعب الفلسطيني. وقد أصدر نحو ٣٠٠ من المثقفين المصريين البارزين بياناً للدفاع عن البرغوثي يدينون فيه تهجم الرويني عليه. كما كتب يسرى فودة مقالة لاذعة هاجم فيها الرويني، الذي عمد الى توسيع هجومه المناهض للفلسطينيين ليشمل أيضاً تهجماً على جميع القوى السياسية التي تسعى إلى تغييرات ثورية في البلاد. فاتهم حركة «٦ أبريل»، التي كانت أحد أوائل منظمي التظاهرات الهائلة التي أدت إلى سقوط مبارك، بأنّها تخضع لتمويل أجنبي. وادعى الرويني أيضاً بأنّه جرى تدريب أعضائها في صربيا، وأنّ حركة «كفاية» المؤيدة للديموقراطية هي الأخرى قد أتت «من الخارج».

وفي بيان رقم ٦٩ الذي أصدره المجلس العسكري أخيراً، وصف المجلس حركة «٦ أبريل» باتباع استراتيجية تسعى إلى «الفتنة» و«الوقيعة بين الجيش والشعب». وقد تحدى جورج إسحاق، أحد قادة حركة كفاية، الرويني (الذي يتضح بأنّه رجل المجلس العسكري الأمامي، المسؤول عن نزع الشرعية عن الثوار) لإنتاج أدلة مادية لإثبات مزاعمه التشهيرية، وأنّه إذا كان في حوزته أدلة فإنّه يجب عليه أن يسلمها إلى المدعي العام. ويسعى قادة حركة «٦ أبريل» إلى مقاضاة الرويني، لكن زملاءه العسكريين يدّعون أنّه لا يمكن أن يقاضى في محكمة مدنية، بل في محكمة عسكرية. وبالفعل قد قررت حركتا كفاية و٦ أبريل، على حد سواء، مقاضاة المجلس العسكري ذاته بتهمة التشهير.
وقد تحدى المفكر والمعارض الأستاذ حسن نافعة المجلس العسكري في مقال «بنشر قائمة بالمنظمات والشخصيات التى تلقت أو تتلقى أموالاً من الخارج»، وطالب المجلس بالكف عن «إلقاء الاتهامات جزافاً» ضد الحركات السياسية. وأضاف إن الحياد الذي يدّعيه المجلس العسكري ما بين العصابات، التي اخترع لها المجلس العسكري اسم «اللجان الشعبية» وفي ما بعد اسم «الشعب»، والمتظاهرين الذين كانوا متوجهين الى وزارة الدفاع، لم يكن حياداً البتة، بل يصب «لمصلحة القوى المضادة، لا لمصلحة الثورة».

من الجدير بالذكر أنّه لم يقم أحد في الصحافة المصرية حتى الآن بتذكير اللواء الرويني بأنّه هو والجيش المصري معه، بما في ذلك المجلس العسكري، هم الذين يتلقون أموالاً من الخارج، من أكبر قوة معادية للديموقراطية في العالم، أي الولايات المتحدة الأميركية التي دعمت وأيدت الديكتاتورية نفسها، ولم يساعد الجيش بإطاحتها بل حافظ على «الحياد» اتجاهها، وأنّ الولايات المتحدة والسعودية هما قادة الثورة المضادة في مصر .
وفي مقال آخر في صحيفة «المصري اليوم»، هاجم الروائي المصري الشهير علاء الأسواني المجلس العسكري لعدم الاستجابة لأي مطلب من مطالب الثورة التي أسقطت مبارك، وتساءل أخيراً: «أيها السادة أعضاء المجلس العسكري، هل أنتم حقاً مع الثورة؟!».

الولايات المتحدة والمجلس العسكري

في غضون ذلك، قام عضو آخر من المجلس العسكري، اللواء محمد العصار، وهو مساعد وزير الدفاع، بزيارة واشنطن العاصمة لحضور «اجتماعات» (تعقد مرتين في السنة، منذ عقد من الزمن) مع مسؤولين أميركيين لمراجعة «العلاقات بين البلدين». كما زار أيضاً أخيراً مدير الاستخبارات المصرية مراد موافي نيويورك «للتشاور» مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وفي الوقت ذاته، قام القائد الأميركي لـ«القيادة الأفريقية»، أو «أفريكوم»، الجنرال كارتر ف. هام بزيارة القاهرة ليومين وعقد اجتماعات مع أعضاء المجلس العسكري، بما في ذلك المشير طنطاوي نفسه، لمناقشة قضايا الأمن في أفريقيا، ولا سيما في ليبيا، بالإضافة إلى التعاون المصري ــــ الأميركي في «مجالات التدريب».

وأفريكوم هي واحدة من تسع من القيادات المقاتلة الموحدة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية. وباعتبارها واحدة من الست التي تركز على المستوى الإقليمي، فإنّها مخصصة لأفريقيا، لكنّها تستثني مصر من مسؤولياتها، إذ تقع الأخيرة في القيادة المركزية الأميركية، على الرغم من أنّ أفريكوم «تتشاور» مع مصر حول «الأمن الأفريقي». وقد تم إنشاء أفريكوم من قبل إدارة بوش الابن عبر أمر رئاسي في ٢٠٠٧. وأصبحت أفريكوم تعمل بكامل طاقتها في نهاية ٢٠٠٨، ومنذ ذلك الحين تسعى الى إقامة مقرها في القارة الأفريقية، في مواجهة معارضة أفريقية واسعة، تقودها جنوب أفريقيا. لذلك بقي مقر أفريكوم الرئيسي حتى الآن في مدينة شتوتغارت الألمانية، لكن هنالك شائعات تقول إنّ مساهمة الرئيس الأميركي باراك أوباما في قصف ليبيا مبنية على التوقعات بأنّ ما يسمى القيادة الثورية الليبية ستستضيف مقر أفريكوم، فور سيطرتها على البلاد بالكامل.

وبينما يعمل الجيش الأميركي على تقييد واحتواء مصر إقليمياً، تتواصل الجهود الأميركية أيضاً على الجبهة الداخلية. وقد كشفت أخيراً سفيرة الولايات المتحدة المعيّنة حديثاً لدى مصر، آن باترسون، أنّ الولايات المتحدة قد منحت بالفعل ١٠٥ مليون دولار لمنظمات غير حكومية مختلفة، من أجل «مساعدتها» لتتمكن من المشاركة في الحياة السياسية في البلاد، وهو ما يعارضه العديد من المصريين. وقد دفعت تلك المعارضة العامة اللواء العصار إلى الادعاء بأنّ هذه الأموال أدت إلى بعض «البلبلة في الشارع المصري»، بينما في الواقع لم يكن هنالك أي التباس على الإطلاق، بل الكثير من الوضوح بشأن دور الولايات المتحدة في البلاد، إبان حكم نظام مبارك، ومنذ سقوطه. بالطبع، لم يقم المجلس العسكري حتى الآن بوصف المستفيدين من الأموال الأميركية بالـ«خونة» أو «العملاء لبلد أجنبي».

تتبعوا المال

ومع ازدياد عدد المثقفين والمتظاهرين المناوئين لحكم المجلس العسكري، تبقى طبقة رجال الأعمال ذوي الثراء الفاحش ــــ تضم علمانيين وإسلاميين ومسيحيين ومسلمين ــــ الحليف الرئيس للمجلس العسكري في البلاد، وترفض تلك الطبقة بشدة وضع حد أدنى للأجور للمصريين (وهو مجرد ١٢٠٠ جنيه مصري في الشهر، أو حوالى ٢٠٠ دولار أميركي). وينضم إليها الإخوان المسلمون وجماعات سلفية مختلفة، وقد هدد سلفيون بإنهاء الاعتصام في ميدان التحرير بالقوة في ٢٩ تموز/ يوليو بعرض ضخم لدعم الجيش. وفي ٢٦ تموز/ يوليو، تم التوصل إلى اتفاق بين عدد من القوى، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وجماعات السلفيين، على خمسة مطالب كانت سيرفعها الجميع في تظاهرات الجمعة في ٢٩ تموز/ يوليو، للحفاظ على «الوحدة» في ميدان التحرير. وكما أصبح معروفاً الآن، نكثت الجماعات السلفية الاتفاق، ورفعت شعارات تطالب بدولة إسلامية وبدعم المجلس العسكري، ما دفع ٣٤ حزباً إلى الانسحاب من التظاهرة. وحشد السلفيون حشداً غفيراً وغير مسبوق (لم يحشدوه للثورة على مبارك) من المتظاهرين لهذا الغرض، ورفع الكثير منهم أعلام المملكة السعودية في ميدان التحرير. وزعم كثيرون أنّ المال السعودي هو الذي موّل الحافلات التي أقلت السلفيين من المحافظات مجاناً، ورشت عليهم زجاجات المياه المعدنية المثلجة أثناء التظاهرة من دون حساب. ولم يتهم اللواء الرويني لحد الآن رافعي الأعلام السعودية بالعمالة لدولة «أجنبية»، ولا بكونهم ممولين أجنبياً.

يبدو جلياً أنّ الإخوان المسلمين، الذين انضموا الى التظاهرات الثورية في وقت متأخر، وبعد الكثير من التردد، يسعون الى دور أوسع الآن، ولا سيما أنّ الإدارة الأميركية قد قررت الحوار العلني معهم (ما دفعهم إلى رفض الانضمام الى اعتصام ٨ تموز/ يوليو). وقد كافأهم وزير الداخلية نفسه بزيارة قام بها لمقر الإخوان دون غيرهم قبل مليونية ٢٩ تموز/ يوليو، وقد أحجمت وزارته عن التعرض للإخوان وللسلفيين في المليونية، بخلاف تعرضها للمتظاهرين غير الإسلاميين على مدى الأشهر والأسابيع الماضية. وقد يبدو الإخوان المسلمون (وهذا لا ينطبق بالضرورة على جميع التيارات التي انبثقت داخل الإخوان بعد إطاحة مبارك وإن انطبق على التيارات الإخوانية اليمينية) شركاء غير متوقعين للمجلس العسكري وطبقة رجال الأعمال، لكنّنا إذا تتبعنا مصادر أموال الجهات الثلاث الى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فسيتضح أنّهم ليسوا غير متوقعين على الإطلاق. ففي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، نظم عدد من القيادات البارزة في جماعة الإخوان المسلمين لقاء مع وفد من المستثمرين الأميركيين والأوستراليين للبحث في مجال التعاون التجاري. وعلى نطاق آخر، قامت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالتهديد باستخدام الرئيس أوباما لحق النقض، ضد قرار جديد يرعاه جمهوريون محافظون في الكونغرس لوقف المساعدات الأميركية لمصر إذا انتخب الإسلاميون، إذ سيتعارض ذلك القرار مع استراتيجيتها للسياسة الخارجية الأميركية في مصر، كما أدلت للصحف. أما عن تآمر تجار منطقة ميدان التحرير وأصحاب المكاتب السياحية (العلمانيون والإسلاميون على حد سواء)، فقد تجلى في انضمامهم إلى الجيش وقوات الشرطة التي فضت الاعتصام في الميدان بالقوة، في أول يوم من شهر رمضان، قبيل الإفطار، واعتقلت العشرات من حركة «٦ أبريل» ومن حركة «شباب من أجل العدالة والحرية». ورحب اليمين السلفي، شأنه شأن التجار ومروجي السياحة، باستخدام الجيش للقوة.

وتلى كل ذلك مسرحية محاكمة الرئيس المخلوع التي اضطر المجلس العسكري لعقدها تحت الضغط الثوري. ويحاول المجلس العسكري من خلال المحاكمة الإيحاء بأنّه يستجيب لمطالب الثورة، بينما يواصل الالتفاف عليها. ويقوم المجلس، في الوقت ذاته، باستدرار عطف الشعب المصري عبر إبراز مبارك على الشاشة كعجوز واهن ومريض، لا حول له ولا قوة (مع أنّه لم يفته أن يصبغ شعره، رغم شدّة مرضه، واكتئابه، ولم يبد عليه أنه قد فقد حتى كيلو واحداً من وزنه)، وإن بدا متعجرفاً في ردوده على التهم الموجهة إليه. وهنا يجب أن نذكر الاحترام والتبجبل العسكري الذي حظي بهما مبارك (وحاشيته) عند وصوله ومغادرته للمحاكمة مرفوعاً عن الأرض، على سرير، وكأنّه فرعون بذاته، وكيف تمدد مسترخياً وذراعاه خلف رأسه أثناء الجلسة الأولى، وكأنّه يستمتع بحمام شمس على شاطئ شرم الشيخ، فيما انتصب نجلاه من حوله كحرس شرف، يحجبانه عن عدسات الكاميرات.
وفي حين لا تبشر معظم هذه التطوّرات بالخير لمستقبل الثورة، يخشى البعض، والبعض الآخر يهمس بدعوة إلى انقلاب عسكري يقوم به ضباط جيش وطنيون من المستوى المتوسط، لا يشوبهم فساد رؤسائهم، أو تبعيتهم للنظام السابق، لتخليص البلد من المجلس العسكري، وفتح صفحة ثورية جديدة ونظيفة. وبما أنّه قد تم تأجيل الانتخابات حتى تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فإنّ الوضع يزداد توتراً، وتجرى الاستعدادات لمواجهات محتملة كثيرة ــــ بين بعض الإسلاميين والقوى الثورية الأخرى، وبين القوى الثورية والجيش، وفي داخل الجيش نفسه. وليست أصابع الأميركيين والسعوديين بعيدة عن كلّ ذلك، رغم ادعاءات الخطاب الرسمي. في غضون ذلك، يبقى مستقبل مصر والمصريين معلقاً في الميزان.

* أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك

حقيقة كبير المنافقين عبد الله كمال

نشرت بعض مواقع الإنترنت الإخبارية العالمية تقريراً خطيراً تم تسريبه من المخابرات الإسرائيلية .. التقرير يؤكد أن إسرائيل نجحت فى تجنيد عبد الله كمال رئيس تحرير روزاليوسف السابق من أجل أن يكتب ضد إيران وحماس وحزب الله بإيعاز من الموساد .

بل أنه ساعد إسرائيل فى حربها المستمرة ضد الفلسطينيين ويصف التقرير عبد الله كمال بأنه كان أكثر الصحفيين تعاوناً مع إسرائيل بعد أن نجحت فى كسب صداقته وأنه كان يتلقى معلومات واتجاهات من ضباط إسرائيليين لينشرها فى صحيفته..
هذه القصة أثارها الأستاذ توحيد مجدى المترجم والباحث فى الشئون العبرية والكاتب الصحفى فى روزاليوسف ، حيث يقول: هذا التقرير تم تسريبه من على الموقع الخاص بمركز معلومات المخابرات والإرهاب التابع لمركز المخابرات الإسرائيلية الموساد ويحمل شعار المركز ومكتوب أعلاه يساراً جملة "سرى للغاية" وأنه تم تعديله فى يونيو 2011 بإضافة بيانات جديدة والجدير بالذكر أن التقرير مؤمن بشكل إلكترونى وعليه بصمة مركز المخابرات الإسرائيلية ولا يمكن التلاعب فيه أو تعديله .. التقرير يحمل عنواناً بارزاً وهو "تقرير شهر أغسطس 2010 عن الاتصالات مع الصحفيين المصريين ممن يعدون كأصدقاء ومساعدين لإسرائيل بالقاهرة، ملخص أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية" .

وحول محتوى التقرير يقول توحيد مجدى : يبدأ التقرير بقوله أنه ربما هى المرة الأولى التى نجحت فيها أجهزة المخابرات الإسرائيلية لفتح علاقة يومية ومستقرة ودائمة مع أى صحفى مصرى قبل عبد الله كمال رئيس تحرير روزاليوسف اليومية المصرية والمقالات التى كان قد كتبها فى مؤسستة منذ 2007 تحت عنوان " شبه جزيرة سيناء قاعدة إرهابية ضد السلطة المصرية" قد كانت من إنتاج أقلام ضباط الاتصال الإسرائيليين الذين اتصلوا به وأرادوا أن تنشر تلك الموضوعات بشكل بارز وأنهم أرادوا أن يظهروا أن حماس فى قطاع غزة تشكل خطرا إستراتيجياً للمصالح الإسرائيلية والمصرية على حد سواء وأنها منطقة تشكل تهديداً مستمراً لحالة الاستقرار المصرية ولحالة الأمن الدولى لإسرائيل ومصر.

ويشير التقرير إلى أن عملية إطلاق الصواريخ التى وقعت فى إبريل 2010 وقام بها نشطاء من حماس انطلاقاً من شبه جزيرة سيناء تجاه إيلات والعقبة شكلت نقطة تحول تفتح من جديد النقاش الجاد حول تحول شبه جزيرة سيناء المصرية لقاعدة أمامية متقدمة لكل من إيران ومنظمة القاعدة ضد إسرائيل وهو ما يساعد على إلزام النظام المصرى على اتخاذ قرار إستراتيجى لمعالجة الظاهرة وإبراز أن أحد أهداف المنظمات الإرهابية العاملة والنشطة فى سيناء تعمل لأجل إسقاط نظام الرئيس المصرى حسنى مبارك ..
وحول دور عبد كمال وكيفية توظيفه لصالح إسرائيل يقول التقرير" وافق عبد الله كمال العضو البارز فى لجنة السياسات بالحزب الحاكم فى القاهرة بعد حديث مطول ومستمر منذ عام 1995 على مساعدة إسرائيل فى حربها ضد حماس وكذلك فى مواضع أخرى أكثر حساسية وقد أكد عبد الله كمال أن عمليات حزب الله فى مصر كانت جزءاً من مؤامرة كبيرة للمحور المنتمى لإيران ضد مصر" وأن هناك جهودا إيرانية لإقامة تحالف إقليمى مشكل من كل المنظمات والعصابات لتعمل تحت قيادة واحدة لحزب الله ولقد طلبت إسرائيل من عبد الله كمال الضغط بواسطة مقالاته بشكل غير مباشر على الحزب الذى ينتمى إليه حتى يدفعه للعمل ضد إيران وحماس وحزب الله فى مصر ولكى يشكل بمقالاته ضغطا ثقافيا يساعد إسرائيل.

ثم ينتقل التقرير ليرصد معلومات مخابراتية حول عبد الله كمال حيث يقول التقرير: كمال ولد فى 25 نوفمبر 1965 ويشغل منصب عضو مجلس الشورى المصرى منذ يونيو 2007 حتى فبراير 2011 وهو المحرر الأول ورئيس تحرير روزاليوسف المصرية بداية من أغسطس 2005 حتى مارس 2011 وشغل أيضا منصب عضو المجلس الأعلى للصحافة بمصر منذ عام 2005 حتى مارس 2011 وكان عضوا بمكتب الإعلام بالحزب الوطنى الديمقراطى بمصر من أكتوبر عام 2006 حتى يناير 2011 ويعد الأهم بين كل أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطنى منذ نوفمبر 2003 حتى يناير 2011.

ويشير التقرير إلى أن إسرائيل قد فقدت الاتصال بعبد الله كمال خلال الأيام الأولى للثورة المصرية وتحديدا منذ 30 يناير لكنها جددت الاتصال معه بعد وقت قصير من تنحى مبارك .ويشير التقرير أيضا إلى أن عبد الله كمال مستعد دائما لمساعدة الصحفيين الإسرائيليين طالما أنهم يتفهمون حساسية موقفه فى مصر خاصة بعد ثورة الشباب المصرية كما انه يحب أن يسميها كذلك..
ويذكر توحيد مجدى أنه حسب الوثيقة كان الاتصال بعبد الله كمال يتم تليفونيا من خلال مكتب المعلومات والبيانات بمركز المخابرات الإسرائيلية !! .

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

اطردوا الوهابية من مصر تتحرروا

د. علاء الأسواني
الخميس 2 ديسمبر 2010 5:37:13 م



اختار عمر بن الخطا ب (رضى الله عنه) مصر لكى تحظى بشرف صناعة كسوة الكعبة الشريفة، وكانت تصنع من قماش مصرى فريد من نوعه ينتج فى الفيوم يسمى القباطى..
ومنذ عهد شجرة الدر إلى عهد جمال عبدالناصر، على مدى سبعة قرون كاملة (1250 ـ 1962)، كانت كسوة الكعبة الشريفة المصنوعة فى مصر تخرج إلى الحجاز كل عام فى موكب عظيم يسمى المحمل المصرى، يحمل الكسوة الجديدة والحجاج المصريين وتحرسه فرقة مسلحة من الجيش المصرى بقيادة ضابط كبير يسمى أمير الحج.. وتصاحب المحمل دائما فرقة موسيقية عسكرية تعزف مارش المحمل مع نشيد شهير مطلعه: «يا محملنا روح وتعالى بالسلامة»..
< B>وبالإضافة إلى المحمل افتتحت مصر فى الحجاز التكية المصرية حيث كان الفقراء والمحتاجون من أهل الحجاز يأكلون ويشربون ويتم علاجهم وصرف أدويتهم مجانا على نفقة أشقائهم المصريين..
والغرض من ذكر هذا التاريخ ليس المفاخرة لأن هذا واجب مصر الذى أدته دائما نحو البلاد العربية.. لكنها خلفية لازمة لقراءة ما كتبه الأديب المصرى الكبير يحيى حقى فى كتابه «كناسة الدكان».. فقد تم تعيينه موظفا فى قنصلية مصر فى جدة عام 1929 وكانت له تجربة طريفة وعميقة الدلالة هناك.. كتب عنها بالحرف : «ينبغى أن أخبرك أولا أن الحكم الوهابى الجديد آنذاك كان يحرم الموسيقى تحريما صارما.. لا يسمح لفونوغراف أو أسطوانة بدخول البلاد، حتى (مزيكة الفم) التى يلهو بها الأطفال تصادر فى الجمرك فما بالك بآلات الطبل والزمر».
وفى ظل هذا التشدد يحكى لنا يحيى حقى واقعة تاريخية عجيبة.. فقد جاء المحمل المصرى إلى الحجاز كعادته كل عام بالكسوة والحجيج والحرس والموسيقى.. فإذا بفرقة من المسلحين الوهابيين يهجمون على المحمل ويخطفون آلات الموسيقى من أيدى العازفين ويحطمونها على الأرض.. ولولا أن ضبط الجنود المصريون أعصابهم لكانوا أطلقوا النار ولحدثت مذبحة.. إلا أن هذا الاعتداء قد سبب توترا بالغا بين مصر ومملكة نجد والحجاز (المملكة السعودية فيما بعد) فامتنعت مصر لمدة عامين متتاليين عن إرسال المحمل ثم استأنفت إرساله حتى رفضت السعودية استقباله عام 1962..
وفى وسط هذا الجو الصارم المتزمت يحكى لنا يحيى حقى كيف كان شباب الحجاز يتحايلون بأى طريقة لتهريب الأسطوانات الموسيقية وكيف حضر بنفسه حفلة موسيقية سرية.. اجتمع فيها عدد كبير من الحجازيين وانحشروا فى غرفة ضيقة ووضعوا الفونوغراف تحت الكنبة ليستمعوا إلى رائعة عبدالوهاب «يا جارة الوادى».. ولأن الأسطوانة أصابها شرخ أثناء تهريبها فقد كان صوت عبدالوهاب يتقطع لكن ذلك لم يمنع الحجازيين من الطرب الشديد..
والسؤال هنا : لقد كان يحيى حقى من أكبر العارفين بالإسلام ومن أشد المدافعين عنه.. فلماذا اعتبر ما رآه فى الحجاز مجرد تجربة طريفة ولم يناقش تحريم الوهابيين للموسيقى؟..
الإجابة أن يحيى حقى ابن لعصر التنوير المصرى العظيم الذى بدأه محمد على ورسم ملامحه الدينية الإمام المصلح محمد عبده (1849ـ1905).. الذى قدم قراءة مصرية للإسلام، متسامحة ومتطورة جعلت من الدين حافزا للمصريين وليس عبئا عليهم فانطلق المبدعون المصريون ووصلوا إلى الذروة فى الموسيقى والمسرح والسينما والأدب والفنون جميعا.
والفرق هنا بين الفنان الكبير يحيى حقى والوهابيين الذين حطموا مزامير الأطفال باعتبارها بدعة محرمة.. هو بالضبط الفرق بين القراءة المصرية للإسلام والأفكار الوهابية..
إن تزمت الفكر الوهابى حقيقة لا أظنها تحتاج إلى تأكيد.. يكفى أن نعود إلى الفتاوى الوهابية التى تؤكد تحريم قيادة المرأة للسيارة وتحريم إهداء الورود إلى المرضى وتحريم التصفيق وتحريم جلوس المرأة على الإنترنت بدون محرم وغيرها.. بل إن إحدى الفتاوى الشهيرة للمرحوم الشيخ ابن باز (عام 1976) كانت تؤكد أن كوكب الأرض ليس مستديرا كما يزعم علماء الغرب وانما هو منبسط ومسطح..
المحزن أنه بدلا من أن تنشر مصر قراءتها الصحيحة المنفتحة للإسلام فى السعودية ودول الخليج فتساعد على تطوير الفكر هناك.. فقد حدث العكس تماما.. انتشر الفكر الوهابى فى مصر، مدعوما بأموال النفط، ليصيب المصريين بردة حضارية حقيقية..
هذا الكلام ليس انتقاصا من المملكة السعودية التى نتمنى لها كل الخير ولا يعيب أشقاءنا الذين نشأت منهم أجيال متعلمة ومثقفة تناضل من أجل تطوير بلادها.. لكنه ببساطة ما حدث : فبعد ثلاثين عاما من انتشار الفكر الوهابى فى مصر من حقنا أن نسأل ماذا أضاف إلينا..؟
الواقع أنه لم يضف شيئا بل تسبب للأسف فى تدهور الثقافة المصرية.... فبعد أن أفتى الإمام محمد عبده بأن الموسيقى حلال ما لم تؤد إلى معصية، الأمر الذى أدى إلى ازدهار الفن المصرى.. انتشر الفكر الوهابى فى مصر ليؤكد تحريم الموسيقى والفنون.. وبعد أن أفتى الإمام محمد عبده بأن الإسلام لا يحرم صناعة التماثيل وانما يحرم عبادة الأصنام، فانطلق الفن التشكيلى المصرى وأنشئت كلية الفنون الجميلة عام 1908…بل إن آلاف المصريين اكتتبوا من حر مالهم ليدفعوا تكلفة تمثال نهضة مصر الذى أبدعه النحات العظيم محمود مختار.. وكشف الستار عن التمثال فى احتفال كبير عام 1928 ولم يدر بأذهان المحتفلين أبدا أنهم يرتكبون حراما… انتشر الفكر الوهابى لينادى بتحريم التماثيل حتى اكتشفنا فى العام الماضى أن قسم النحت فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قد التحق به طالب واحد فقط..
ولم تقف أضرار الفكر الوهابى عند عرقلة الفن وتأخر الفكر بل تعدت ذلك إلى إحداث الفتنة الطائفية.. فبعد أن أسست ثورة 1919 لمفهوم المواطنة الذى يتساوى بموجبه المصريون تماما بغض النظر عن أديانهم، جاء الفكر الوهابى ليعتبر الأقباط كفارا أو فى أحسن الأحوال أهل ذمة لا يصلحون لتولى المناصب العليا فى الدولة مثل قيادة الجيش ورئاسة الدولة.. بل إن الفكر الوهابى، فى رأيى، قد ساعد على اختصار الدين فى الشكل والعبادات وفصل العقيدة عن السلوك.. ملايين المصريين ذهبوا للعمل فى السعودية فماذا وجدوا ؟!..
أول ما يكتشفه المصرى هناك أن الدين ليس اختيارا شخصيا كما هو فى مصر وانما هو واجب تفرضه السلطات بالقوة.. ثم سرعان ما يكتشف المصرى بعد ذلك أن التشدد فى فرض الدين لا يرتبط بالضرورة بتحقيق العدل.. فالسلطات التى تتشدد فى إجبار المصرى على الصلاة ولا تتهاون أبدا إذا انكشف شعر زوجته قليلا فى الشارع ، كثيرا ما تتغاضى عن ظلم الكفيل السعودى للمصريين وإذلاله لهم واستيلائه على أجورهم بدون وجه حق.. كما عاد بنا الفكر الوهابى إلى الوراء فيما يخص المرأة، فبعد أن تحررت المرأة المصرية من قيود الحريم واكتسبت حقها فى التعليم والعمل.. جاء الفكر الوهابى لينادى بعزلها عن المجتمع خلف النقاب باعتبارها مصدرا للغواية وأداة للمتعة ومصنعا لإنجاب أطفال وخادمة لزوجها وهو يفترض أصلا أن المرأة ضعيفة السيطرة على إرادتها وشهواتها (كما تؤكد فتاوى وهابية كثيرة)..
أما أسوأ ما فعله الفكر الوهابى فهو إعداد المصريين دينيا لتقبل الظلم والاستبداد.. فالحاكم المسلم عند الوهابيين طاعته واجبة، حتى لو ظلم الناس يظل الخروج عليه محرما مادام ينطق بالشهادتين ويؤدى الفرائض.. وحتى لو أعلن الحاكم كفره على الملأ (وهذا افتراض خيالى) فإن الخروج عليه عند الوهابيين مرتبط بالقدرة على تغييره.. وإلا فإن طاعته تظل واجبة حتى يغيره الله(!).. وهكذا ينزع الفكر الوهابى عن الناس حقوقهم السياسية تماما فيجعلهم قابلين للاستبداد وأكثر استعدادا لقبول الظلم..

ان انتشار الفكر السلفى الوهابى يصب فى النهاية فى مصلحة الحكام المستبدين..
لن يبدأ المستقبل فى مصر إلا إذا استعدنا قراءتنا المصرية المنفتحة للإسلام وعملنا جميعا على إنهاء الاستبداد الذى أذل المصريين ونهبهم وأنهكهم..

الخميس، 8 سبتمبر 2011

الثورة في حاجة لثورة


* بقلم: محمود جبر

       حين خرج القائد العسكري المصري أحمد عرابي على رأس جنوده المصريين عام 1881 يطالب الخديوي توفيق بتلبية حقوق مشروعة للجيش والشعب المصري أيده عموم المصريون. ورغم فشل ثورة عرابي بتواطؤ الخديوي مع الخارج البريطاني، ورغم مراجعات بعض قادة الثورة من أمثال الإمام محمد عبده ومحمود سامي البارودي اللذان اعترفا ببعض القصور والخطأ في ثورتهم مما أدى في النهاية إلى احتلال مصر من المستعمر البريطاني إلا أنه لم يخرج من المصريين من شكك في وطنية عرابي أو الثوار، ويتهمهم بالبلطجة والعمالة، لم يدين أحد الثورة أو أهدافها، لم يدافع أحد عن حكمة ونزاهة الخديوي توفيق ونظام حكمه الفاسد، بل ظل عرابي وثورته صفحة ناصعة في تاريخ نضال الشعب المصري من أجل الحرية والكرامة، وذهب الخديوي توفيق ونظامه إلى مزبلة التاريخ.

       وفي ثورة 1919 خرج المصريون يدافعون عن استقلال وطنهم، وحرية قادتهم الوطنيين وعلى رأسهم الزعيم سعد زغلول، وأعضاء الوفد المصري الذي سافر إلى مؤتمر الصلح للمطالبة باستقلال مصر عن المستعمر البريطاني. ورغم الخلافات الحادة بين أعضاء الوفد – فيما بعد – لم يُخَوِن أحد الآخر، ولم يُخَوِنَهم أحد، لم يهاجم أي من المصريين الثورة أو الثوار، ولم يعتدي أحد على من يطالب بحقوق شهداء الثورة، ومحاسبة المفسدين.

       وهكذا الحال بالنسبة لحركة الجيش المصري عام 1952 التي تحولت بدعم جموع الشعب المصري إلى ثورة وطنية حقيقية، استطاعت أن تحدث تغييرات جذرية في بنية المجتمع المصري، حاولت أن تقيم مجتمع الكفاية والعدل، حاولت أن تضع مصر في مكانتها الإقليمية والدولية التي تستحقها، حققت الكثير من الانجازات والانتصارات، وفشلت في تحقيق البعض الآخر، شأنها شأن كافة التجارب الإنسانية تخطئ وتصيب. ورغم تعدد الأطراف المعادية للثورة في الداخل والخارج لم يكن أحد يجرؤ على المساس بها قبل هزيمة 1967، ولم يكن أحد يجرؤ على وصفها بأنها سبباً في خراب مصر، وحتى بعد الهزيمة أشاد المنصفون والموضوعيون بانجازاتها، وتضحيات أبنائها، واعترفوا بسلبياتها، وأولهم قائد الثورة نفسه الزعيم جمال عبد الناصر، ولكننا لم نشهد من يطالب بعودة أسرة محمد علي، أو الاحتلال البريطاني لمصر، أو هدم السد العالي، أو إعادة القناة للأجانب ...إلخ.

       أما ما تشهده ثورة 25 يناير 2011 من إهانة للثوار، ووصفهم بالبلطجة والإرهاب، ونعتهم بأنهم كانوا سبباً في خراب البلاد والإضرار بالعباد، وتكالب قوى غاشمة باطشة عليها لإجهاض الحلم في مهده تحت سمع وبصر المجلس العسكري، وحكومة د. عصام شرف اللذين وثق فيهما الثوار وأولوهما أمانة رعاية هذا الحلم البريء النقي، كل هذا يجعلني أشعر وكأن الثورة طفل ولد يتيماً أوكل أبائه لغيرهم مهمة رعايته، وما أقسى اليتم في وجود الآباء.

       لا أدري كيف وقع الثوار أصحاب الثورة الحقيقيون في هذا الخطأ التاريخي والاستراتيجي، لا يوجد ثوار في التاريخ رووا ثورتهم بدمائهم الزكية، ثم سلموها إلى غيرهم، ومن هم غيرهم هؤلاء؟ هم أهم سدنة النظام السابق وحماته، هم جزء أصيل لا يتجزأ منه؛ هل ينكر أحد أن المجلس العسكري، وليس الجيش المصري كان ولا زال أهم ركائن حماية نظام مبارك، رئيساً ونظاماً، والآن نظاماً بدون الرئيس.

       ربما كانت الإجابة على سؤالي هذا، هو أننا كما يقول عنا أعدائنا لا نجيد القراءة، لا سيما قراءة تاريخنا. ألم يثور المصريون على الوالي العثماني المستبد خورشيد باشا، وبدلاً من اختيار حاكم من بينهم لتولي زمام الحكم في مصر، باعتبارها فرصة تاريخية، نجدهم بغرابة شديدة يضعون محمد علي، هذا الجندي الذي أتى ضمن قوة حامية للوالي المستبد.

       هل هي فقدان الثقة في الذات؟ كيف وقد استطاعوا أن يقهروا ويسقطوا أكبر طغاة تاريخهم الحديث والمعاصر. هل لم يجدوا من بينهم من يصلح للقيادة؟ كيف ومصر بها من الكفاءات والخبرات والعقول والوطنيين من يفوق كل من تعاونوا مع النظام الفاسد وأتى بهم الثوار. هل هي البراءة الثورية؟ لا أظن ذلك؛ شتان بين البراءة والسذاجة الثورية.
      
ورغم بعض المواقف التي اتخذها المجلس والتي تثير التساؤل أثناء الثورة، ولعل أبرزها موقفه يوم موقعة الجمل، ففي الوقت الذي كان هو المسئول عن الأمن في مصر بعد مؤامرة انسحاب الشرطة، سمح لبلطجية مبارك بالوصول إلى ميدان التحرير مدججين بالأسلحة والخيول والجمال، وجعل قواته تقف على الحياد ولا تتدخل لمنع صدام كان الهدف منه التنكيل بالثوار، وإجهاض الثورة، وكأنه كان يريد الوقوف على حقيقة ميزان القوة في مصر، هل الثوار قادرون على الاستمرار فيقف بجانبهم ليكون في صف المنتصر، أم يستطيع زبانية النظام قتل الثورة في مهدها، وحينها يكون في صورة من منح النظام طوق النجاة الأخير بغض الطرف عن البلطجية.
       كما أن ما تكشف مؤخراً ولازال يتكشف من معلومات عن أن الرئيس المخلوع وأسرته وحاشيتهم كانوا على وشك الغدر بقادة المجلس العسكري، سواء قبل وقوع أحداث الثورة أو أثنائها، عاملاً مؤثراً في عدم استخدام القوة ضد الثوار، لأنهم الضمانة الرئيسية لبقاء هؤلاء القادة.

       أضف إلى ذلك، أن المجلس العسكري لو اتخذ قراراً باستخدام القوة ضد الثوار كان قد عرض وحدة الجيش المصري واستقراره لخطر جسيم، وها هي الأحداث في ليبيا وسوريا واليمن تثبت صحة ذلك، فالجيش المصري بعقيدته الوطنية عبر تاريخه لم يستخدم قوته لضرب أي حركة وطنية، بل على العكس كان دائما طليعة هذه الحركة وداعماً لها.
      
       رغم كل هذا، اعتقد الثوار أن موقف المجلس العسكري في عدم استخدام القوة ضد الثوار دليلاً على إيمانه بالثورة ومبادئها، استناداً على العقيدة الوطنية للجيش المصري وسلموه ثورتهم واستأمنوه عليها، وذهبوا إلى بيوتهم يراقبون ما يصنع!!!، وهذا مأزق وخطأ تاريخي آخر حين عجز الثوار مبكراً عن تمييز الاختلاف بين المجلس العسكري والجيش، فالأخير مؤسسة ذات عقيدة مصرية وطنية، أما المجلس العسكري هم ممثلي النظام في إدارة هذه المؤسسة يرأسه رئيس النظام المخلوع.

       لذا، لم يكن من المستغرب أن يحدث ما حدث ومازال يحدث من محافظة المجلس العسكري على نظام مبارك الذي هو – المجلس العسكري – جزء أصيل منه، فوضع على رأس أول حكومة بعد الثورة واحد من المحسوبين على المؤسسة العسكرية، وأهم رجالات النظام الفاسد وأحد الأصدقاء المقربين من الرئيس المخلوع هو الفريق أحمد شفيق، الذي شكل وزارة معظم أعضائها ممن ينتمون إلى الحزب الوطني الديمقراطي (الحزن الوطني)، الذي جرف مصر عبر عقود من كل خيراتها، وكان سبباً في كل ما هو سئ فيها، وهو ما أدركته جموع المصريين فكانت مقاره أول ما تم تدميره أثناء الثورة. بل وأكثر من هذا تباطئ إلى حد التواطؤ كل من المجلس العسكري، وأحمد شفيق في اتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لمحاسبة قتلة الثوار، ومن أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر على مدى عقود، بداية من الرئيس المخلوع وأسرته، نهاية بأصغر مسئول فاسد، وأعطوهم الوقت والفرصة لترتيب الأوراق وتهريب الأموال، والتخلص من كل ما يدينهم.

       ظل الثوار يستجدون!! .. يناشدون!! .. يطالبون!! .. يصرخون من أجل تغيير الحكومة وإيقاع أكثر سرعة لانجاز أهداف الثورة، وكانت ردود فعل الحكومة والمجلس العسكري كأنها تقول ماذا تريدون أكثر من هذا، لقد رحل الرئيس .. وهذا يكفي. ولأن جذوة الثورة كانت لم تخبو بعد وبها بقية باقية، حشد الثوار قواهم في توابع للثورة أطلقوا عليها مليونيات –بصرف النظر عن العدد الحقيقي- للضغط على المجلس العسكري وطالبوا بتكليف رئيس حكومة جديد حددوه من بين ثلاثة أسماء هم (د. حازم الببلاوي – د. أحمد جويلي – د. عصام شرف)، وبصرف النظر عن السبب في ترجيح كفة د. عصام شرف التي سوف تكشفها الأيام، نلاحظ أن الثلاثة كانوا يمثلوا التكنوقراط وليسوا الثوار، وهذه مفارقة، ألا يجب تأمر الثورة فتطاع، ألا يجب أن تضع رئيس حكومة ثوري يشكل حكومة ثورية تحقق أهدافها في إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع والدولة، ثم بعد ذلك يأتي دور التكنوقراط، هذا إذا كنا نؤمن أننا إزاء ثورة حقيقية.

       ورغم أن د. عصام شرف تم تكليفه واكتسب شرعيته من ميدان التحرير في مشهد دراماتيكي سينمائي،  ظل عاجزاً حتى عن تغيير وزراء حكومته الذين كانوا ينتموا إلى الحزب الوطني ويعرقلون أي تغيير حقيقي. وإذا أمكن تفهم هذا في ظل حجم الضغوط عليه، والصلاحيات التي يعطيها الإعلان الدستوري للمجلس العسكري في تعيين وإقالة الوزراء، لا يمكن تفهم عدم وفائه بوعده الذي قطعه على نفسه في ميدان التحرير أمام الثوار بأن يقدم استقالته حال عجزه عن تلبية مطالب الثورة.

       النتيجة الطبيعية لكل من:
·  أخطاء الثوار الإستراتيجية بدءً من تسليم الثورة للمجلس العسكري، وهذا التشرذم الحالي في قوى الثورة مروراً بآلية وأسس تشكيل الحكومة.
·       التباطؤ المريب في قرارات المجلس العسكري.
·       الرخاوة التي تعاني منها الحكومة.
كان من شأنه أن جعل أعداء الثورة في الداخل والخارج يتجرؤوا عليها، ويتكالبون على محاربتها وهدمها في العلن بعد أن كانوا يفعلون هذا في الخفاء، بل الأكثر من هذا فتحت لهم أبواق الإعلام الرسمي والخاص لبث سمومهم في جسد المجتمع المصري، وتضليله بتصوير الثورة بأنها سبباً في كل ما يعانيه المجتمع من أزمات السبب فيها النظام السابق الفاسد، وتخاذل المجلس العسكري ورخاوة حكومة شرف، وتشرذم الثوار.

   فلم يعد من المستغرب أن نشاهد من يدافع علانية عن الرئيس المخلوع من أمثال جماعة "أسفين ياريس" و "أبناء مبارك"، ومحامون يتطوعون ليدافعوا عن أعضاء النظام السابق، وهذه المعاملة المتميزة التي يعامل بها المتهمون في قضايا فساد وقتل الثوار وعلى رأسهم الرئيس المخلوع وأسرته، واعتداء أنصارهم على أهالي الشهداء والثوار، بل والأكثر من هذا صار بعض الإعلاميين والصحفيين من المتحولون ورجال الصف الثاني في الحزب الوطني ممن ظهروا على سطح الحياة السياسية من جديد كطفح جلدي دميم على جسد الثورة الجريح لينعتوا الثوار وأهالي الشهداء بالبلطجية والمخربون، ويحرضون عليهم قوات الأمن من الجيش والشرطة التي عادت من جديد لسيرتها الأولى في قمع الثوار تحت سمع وبصر الجميع، مستغلة في ذلك حالة التفتت في صفوف الثوار.

   ووصل تجرؤ هؤلاء إلى الحد الذي جعل أعداء الثورة في الخارج من دويلات صغيرة تهدد مصر باتخاذ إجراءات عقابية ضدها في حال تقديم مبارك للمحاكمة، بل وترسل محامون للدفاع عنه في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية المصرية، واستفزاز لمشاعر جموع المصريين ممن نكل بهم هذا الطاغية المخلوع.    

 الأمر الأكثر استفزازاً على الساحة السياسية في مصر حقاً، هو موقف بعض المتحذلقين ممن يدعون أنفسهم أنصار الثورة، والمنادين بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الذين يرون أن السماح لأعداء الثورة بالهجوم عليها قمة الديمقراطية والحرية!!.
أهي المثالية؟! أم خطأ تاريخي آخر؟! أنن
      
       كفانا كل هذا التشرذم، كفانا أخطاء تاريخية، كفانا تفريط وتهاون في الحقوق، كفانا تخاذل عن حماية الثورة.

       يا بني وطني، أيعقل أن يصبح الثوار قلة مندسة .. مخربة، يتهمون بالبلطجة، وتدمير الوطن، وصار أذناب الحزب الوطني، والمتحولون، والمتاجرون بالسياسة والدين هم الأغلبية الثورية الحريصة على مصلحة الوطن.

أيعقل أن نستبدل الطاغية مبارك بالمجلس العسكري، الذي يخرج علينا أعضائه في كل تصريح ملوحين متوعدين، مذكرين بفضلهم على الثورة، أيعقل أن نستبدل الحزب الوطني بجماعة الإخوان المسلمين.

أي ثورة هذه؟ .. أي مثالية هذه؟ .. أي مصير نسير إليه؟.

الثورة تضيع .. الثورة في خطر

سامحوني مقالي لي سوداوياً بقدر ما يدق ناقوس الخطر الأخير .. واستغاثة بالله وشرفاء هذا الوطن.
 حمى الله مصر وشعبها، وصان ثورتها ومجدها.